بقلم - خولة مطر
جاءت أوامرهم فى شكل نصائح متكررة بأن عليهم أن يستبدلوا كبار السن من صناع القرار بالشباب خاصة وهم فى منطقة أكثر من نصفها هم دون الخامسة والثلاثين.. وما لبثوا وأن سمعوا لهم «فزينوا» فترينات وزاراتهم ومؤسساتهم ومجالس الشورى وغيرها من المجالس المعنية بإدارة الدولة ومؤسساتها حتى أن تلك النصيحة وصلت إلى القطاع الخاص العائلى جدا فحل الشباب محل الآباء والأجداد.. كثير من هؤلاء الشباب هم نتاج المدارس الخاصة التى فاض بها سوق التعليم بعد أن أصبح العلم سلعة تخضع للعرض والطلب! وبعد أن أصبح عدد المدارس الخاصة أكثر من محال البقالة!
***
كثير من القادمين الجدد هم خريجوا أعرق الجامعات فى الولايات المتحدة وأوروبا وآخرين اشتروا الشهادة كما يشترون ساعة الرولكس أو سيارة البورش كيان!
زينت تلك الشهادات غرف المعيشة فى البيوت والقصور الفخمة وبعض المكاتب.. أذكر تلك التى وضعت خلف مكتبها شهاداتها المتنوعة كل فى إطار شديد الأناقة وحين نظر أحدهم لتلك الشهادات وراح يراجعها تساءل أين شهادة الابتدائية فلم يتبق إلا أن تضاف إلى قوائم «النياشين» تلك!! ووضعت صور للشابات والشبان فى أطر جميلة من الفضة فوق الموائد كلها تحمل صورًا لحفلات التخرج فى العواصم والمدن العريقة..
***
قيل أن الشباب قادمون فاستعدوا.. هم من سينقذ هذه الأوطان والبشر من كوراث التحولات الاقتصادية وانخفاض أسعار النفط (المصدر الوحيد للدخل) وتداعيات تكاليف الحروب الحديثة الباهظة التى تخاض أحيانا تحت أسماء مختلفة وبالنيابة عن الآخرين الذين وقفت شعوبهم ضد أى تهور للدخول فى حروب لم تأتِ عليهم سوى بمزيد من العجز فى الميزانيات والتكاليف التى تدفعها أجيال إلا إذا كانت الفواتير تدفع من جيوب الغير!
***
جاء الشباب ليتحول العمل بسرعة تتماشى مع التطورات التكنولوجية الحديثة لا ورق ولا أقلام فقط الألواح الحديثة والهواتف الذكية وكثير من اللغة الإنجليزية وقليل أو لا بقاء للغة العربية ربما لأن لدى بعضهم تصور أن اللغة هى سبب تخلف مجتمعاتهم أو ربما لجهل متجذر باللغة والتاريخ وحضارة بلدانهم.. فى معظمهم لا يعرفون عن تاريخهم كما يعرفون عن أخر ألبومات شاكيرا ولم يدرسوا سوى أن توماس جيفرسون والآباء المؤسسين الأول للولايات المتحدة هم من بدأوا عملية تحديث المجتمعات لتصبح أكثر ديمقراطية ومشاركة وحرية واحترام للحقوق.. وهم سوق لهم فى روايات أحادية للتاريخ الأمريكى.. ولتواريخ كل الدول المستعمرة..
وفيما كان لدى الأقدمين من أباء وأجداد بعض الحكمة والخبرة والذكاء الفطرى أحيانا.. جاء بعض من هؤلاء الشباب ليكنس كل ذلك ولينظر بعين الإعجاب والرضى للقادم من الخارج فى شكل من أشكال عقد العبيد التاريخية.. فالعبديغرم بمستعبده وبعضهم لا يهوى سوى تلك التى كانت دول مستعمرة لسنين وسنين لبلدانهم ولغيرهم من بلدان العالم..
***
الشباب المقبل من تلك الجامعات العريقة لم يفقه إلا ما درسه فى الكتب، لم يستطع أن يخرج من أغلفة الكتب وأوراقها أو من صفحات الشبكة العنكبوتية إلى واقع بلدانهم ومجتمعاتهم.. معظمهم يعيشون فى بلدانهم بأجسادهم وعقولهم ومشاعرهم تركوها خلفهم بين مبانى تلك الجامعات البعيدة..
ينظر بعضهم بشديد الاحتقار لخريجى الجامعات المحلية أو حتى لبعض كبار السن المتمرسين فى وظائفهم ويعملون جاهدين على التخلص منهم.. عند كل معضلة هناك خبير يقف عند خط الهاتف ينتظر مكالمة وعرض سخى للحضور لانقاذ هؤلاء «المتخلفين» من وقع تخلفهم!
***
أمر مثير كم تحول الشباب كما سبقتهم إلى ذلك النساء فى مجتمعاتنا إلى مجرد أدوات للتفاخر فى المنتديات العالمية وفى الأرقام والاحصائيات والوفود الرسمية.. وكم أصبحوا هم كما الخبراء الأجانب مجرد طبقة من المتعالين على وجع مجتمعاتهم، ينظرون لها من فوق السحب ويقهقهون سخرية عندما يشتكى البعض ضيق ذات اليد أو الحاجة إلى وظيفة أو ضرورة أن توفر الدولة التعليم والصحة وغيرها من الخدمات الأساسية كإحدى مسئولياتها تجاه مواطنيها.. ويجلسون على موائد العشاء فى المطاعم الفاخرة يأكلون السوشى مع القادمين من مؤسسات برتنودز بالنصائح التى ستدفع ثمنها كل الأجيال القادمة.. يقرعون الكئوس ويضحكون مع الضيوف القادمين المرتدين للبدلات الأنيقة حاملى أقلام المون بلاا
.. نعم للشباب ولكن دون الخبرة والحكمة فهذه المجتمعات إلى مزيد من الشتات والتمزق!
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع