توقيت القاهرة المحلي 09:27:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سماء ترحل عنها الشمس

  مصر اليوم -

سماء ترحل عنها الشمس

بقلم - خولة مطر

تجرى فى سباق مع الطبيعة أو ربما هو السباق الذى علمته لك تلك المرأة التى كانت دوما أقرب لك من دقات قلبك. تقرأ أحاديث عينيك وتضاريس وجهك وأنت طفلة صغيرة وما إن كبرت وانتقلتِ لمرحلة المراهقة التى لم تعرفيها كما الأخريات، قالت لك «حبى» بل كررت «اتقنى الحب واسعدى به حتى لو لم يستمر فيتأسس فى شكل علاقة زوجية.. هى التى علمتك أن تسابقى اليوم قبل أن تخرج الشمس من السماء لتتأملى الغروب وأنت صغيرة جدا وكل قدرات عقلك الصغير مثلك لا يدرك ما أهمية أن تراقبى الشمس وهى راحلة فى آخر يوم مشمس».
• • •
تذكرتيها بشدة منذ أيام وأنت قد تعديتى المراهقة بسنين طويلة وأنت تسابقين الزمن مرة مع بضع صديقات وأخرى مع صديقات وأصدقاء لا يشبههم أحد، لا فى الشكل ولا فى المضمون ولا فى تفاصيل تواريخ حيواتهم التى مرت بكثير من التعب والجهد والالتزام بقضايا الوطن، وبكثير من الحب بعضه عابر وبعضه ترك بصمة فى القلب ورحل.
• • •
تتذكرينها وهى ترقد فى سريرها فى ذاك المستشفى البعيد جدا والذى لم يعد حتى يشبه ما كان عليه زمن البساطة والمحبة والعلاقات التى لا ترتبط بدفاتر حسابات أو مصالح.
• • •
وأنت تسابقين الشمس مع صديقات لا يبعدن كثيرا عن سنين عمرك تطمحين لأن تصطادى اللحظة حين تسقط الشمس فى آخر البحر أو النهر وتترك خلفها بعض الوهج المستلقى باسترخاء شديد فوق صفحة من الماء المشحون بحكايات من العشق المعتق.. تأملتِ اللحظة وهن يتحدثن وكنت تطمحين لبعض السكوت فى حضور الغروب فلا يجوز إلا الإصغاء لصوت الضوء وهو يرحل تدريجيا والشمس تسقط فى حضن الماء بحرا كان أم نهرا. تمنيتى أن تحمليها من سريرها فوق كتفك وتضعيها بذاك القارب الشراعى وترحلى بها فى حضن الغروب حتى آخر بقعة ضوء منه وحتى يسكن فى عمق الماء وأنت وهى تتحدثان بلغة البهجة المصاحبة للحظات الخاصة جدا وتستمتعان بجمال كان هو بعضا مما كانت تنشره من الفرح.
• • •
هى الراقدة فى ذاك المستشفى البعيد فوق سرير بشراشف بيضاء بنصاعة قلبها الذى بقى نقيا حتى عندما تعب الجسد منه. تعرفين أنك تعلمتى القبضة على اللحظة منها وتتساءلين من أين تعرفت الصديقات على جمال الاسترخاء فى وداع الشمس مع آخر النهار؟ تسألينهن واحدة بعد الأخرى وهن يتلعثمن فى الإجابة وكأنهن يقلن لماذا تكثرين الأسئلة؟ تصرين على تكرار السؤال وهن دون إجابة مقنعة لأن كثيرا من تعود على التعلق بلحظة الآخرين وما يسعدهم أو يبهجهم أو حتى أحيانا يحزنهم. قليل من يعرف ماذا يريد وكيف وأين ومع من؟ وأكثر منهم قلة من يعرفون لماذا يحبون هذا أو ذاك أو الصباح أو المساء أو هل يفضلون الشروق على الغروب دون الإجابة الممجوجة والمتكررة إن الشروق هو الأجمل لأن فيه البدايات بينما الغروب يأتى ببعض الحزن الملازم لختام اللحظة أو العلاقة أو الحب أو السعادة أو حتى اليوم العادى جدا.
• • •
تعيدين تكرار المشهد أى الحضور الجمعى فى حضرة الغروب وفوق مركب شراعى ومع بضعة من الأصدقاء بأعمار وتجارب وخلفيات مختلفة وهن جميعا يجرون رغم صعوبة الجرى فى السن المتقدمة لمراقبة الشمس قبل رحيلها فى طقس يشبه ما كان عليه الفراعنة القدماء. هؤلاء من جيل يعرف جيدا ما يحب وما يكره وما يستطيع أن يتحمله بسبب الظروف أو تعرجات الزمن. وهم أيضا يشكلون الذاكرة الجماعية للمكان الذى هو يبدأ بشارع فى حى فى مدينة فى بلد يدعى وطنا. هذه مجموعة أخرى من عشاق الغروب ولكن كل فرد منهم يعرف لماذا؟ وكيف ومتى؟ ربما نتيجة للخبرة أو حتى لكونهم من ذاك الزمن الجميل حيث أضافوا بهجة على بهجة مراقبة الغروب الجماعية. وربما لأنهم من جيل كان يعرف معنى الاستمتاع الحقيقى بصحبة البشر وفى حضن الطبيعة وليس خلف شاشة مشعة لهاتف أو آيباد أو لاب توب أو أى جهاز آخر.. هم من عرفوا متعة أن تحمل كتابا ليكون رفيق لحظات النهار أو بين لقاءين أو محطتين أو موقفين. وهم أيضا من ذاك الجيل الذى يقدر حجم الصداقة وأهميتها فى الحياة وكيف يختارون الصحبة بدقة الجراح.
• • •
كم كان الغروب ممتعا معهم جميعا، وكم هو مؤلم أن تكون معلمتى وعاشقة الغروب الأولى هناك على مسافة بعيدة منه ومنى وعلى فراش فى مستشفى لا يحمل إلا الأبيض ولا شىء من تلاوين سماء ترحل عنها الشمس.
كاتبة بحرينية

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سماء ترحل عنها الشمس سماء ترحل عنها الشمس



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:26 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد سعد يعلّق على لقائه بويل سميث وابنه
  مصر اليوم - أحمد سعد يعلّق على لقائه بويل سميث وابنه

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon