بقلم: خولة مطر
تحول المشهد إلى فيلم رعب طويل أو حتى واحد من أفلام الخيال العلمى وشطح الخيال لدى الكثيرين وتسابق البعض لوضع مشاهد قديمة من أحداث لا تمت بصورة إلى هذا الفيروس الذى ساوى بين جميع الدول والمجتمعات تلك المتطورة والنامية، الديمقراطية والتى لا تزال ترزح تحت حكم الفرد الواحد، ولم يفرق أيضا بين الجنسين فتساوى الرجال والنساء ولا حتى بين الأديان والطوائف من «ميلانو» إلى «قم» ومن ولاية «واشنطن» الأمريكية إلى «مدريد» التى أغلقت على نفسها حيث أصبحت المواجهة الأكثر فعالية لمثل هذا الفيروس هى «العزلة الاجتماعية» ومنها عزل المدن وإغلاق الدول بمطاراتها ومعابرها... كل يقول للآخر «الله يحميكم» إلا أولئك الذين لازالوا يعيشوا شيئا من الحقد ونكران المواطنة وطفح كل سواد نفوسهم من عنصرية على السطح فلوثوا شواطئ ذاك البحر من التناغم والتلاحم الاجتماعى الذى ساد مجتمعاتنا مع إخفاقاته وسلبياته ولكن لم يحصل فى تاريخنا الحديث أن تفرقت المجتمعات ليس فقط عندنا ولكن حتى فى أوروبا فطفحت مجارى العنصرية فيها.
***
الأرقام تتغير بالدقائق من هنا وهناك، هى المرة الأولى التى لا تكون فيها أخبارنا مادة دسمة لنشرات الأخبار العالمية والمحلية. الكورونا ذاك الفيروس الصغير تغلب على أخبار النزاعات والحروب والموت المجانى، هو المتربع على العرش ومادة الرعب الأولى.. بعضهم فى تلك المدن «المتحضرة» لم يتحمل نقص المواد فى الأسواق حتى أفرغت من أحشائها، ربما هو درس لنا جميعا، ربما لهم ليعرفوا معنى الجوع والعوز وقلة الحيلة أو حتى أن تحاصر فى بلادك بالجيوش والسفن الحربية والطائرات المتطورة أو حتى بلقمة عيشك.
***
طبعا «اشتغلت» عقول أصحاب نظريات المؤامرة ولكن الأهم هو ما كتبه المختصون والخبراء فى الاقتصاد والسياسة ليرسموا صورة قاتمة لوضع الاقتصاد عالميا وليس فقط فى الدول «المتعثرة»!! «ستجليتس» وهو من أهم من كتب عن العولمة، قال وكمن يُذكّر الجميع بأنه قد كتب الكثير من الأبحاث عن فشل العولمة وربما النظام الاقتصادى الرأسمالى وقبل أن تكثر الاتهامات بأن مثل هذا التحليل يعيد «نوستالجيا» النظام الاشتراكى، فهذا ليس المقصود أبدا. الكثيرون كتبوا عن الحاجة إلى التفكير فى نظام اقتصادى أو هو ربما عقد اجتماعى ــ اقتصادى لا يغفل الشرائح الواسعة فى أى مجتمع ولا يزيد من العوز والفقر فيما قلة تحكم العالم اقتصاديا لتخلق طبقة جديدة ما فوق البرجوازية التى تتواحد على اختلاف عرقها ودينها ولونها وجنسها.
***
ما علاقة النظام الاقتصادى بالكورونا؟ هو التوحش الذى ساد العالم، هو الكسب على حساب البشر والطبيعة حتى انتفضت تلك الطبيعة كما ثارت الشعوب قبلها.. هنا الطبيعة بتفاصيلها تنتقم لمن أساء إليها وإلى كل المخلوقات وربما الطبيعة أكثر عدالة حيث ساوت بين الرؤساء والمشاهير وصناع القرار مع عامة الشعب أو الشعوب.. هى المرة الأولى التى يستطيع أن يقول فيها الفرد لرئيسه أو حاكم البلاد «هل ترى الآن ما معنى أن تقع فى خانة العجز حيث لا يستطيع السلطان والجاه والمال أن ينقذك من ذاك الفيروس الذى يقول العلماء الصينيون إنه وهو يفتك بالبشر بالمئات والآلاف فقد يطور نفسه إلى ما هو أكثر فتكا وقدرة على مقاومة أى لقاح.
***
وفيما وجهت أصابع الاتهام فى المراحل الأولى للصين وإيران ما لبث الفيروس وأن ظهر لهم فى عاصمة الأناقة والأزياء وكل ما تحب أن تقتنيه نفس تلك الشريحة التى ظهرت كالفيروسات هى الأخرى، فى ميلانو حتى جاءت الصور لمدينة أشباح وأوصدت المطارات فى وجه القادمين منها. ما لبثت وأن تبعتها مدن وعواصم دول أوروبية وأمريكية.. الكورونا ليس فيروس عالم ثالث إذن بل هو عابر للقارات والدول والطبقات والأجناس.. هو الأكثر عدالة فى توزيع الموت والألم وفى ذلك عدالة أيضا أليس كذلك؟، فلا ظلم فى المساواة فى الموت.