بقلم: خولة مطر
كلهم يتحدثون بها وعنها.
كلهم ينادون ويصرخون نريدها أو هى حقوقنا.
بعضهم قدم حياته ثمنًا لما تصور أنها هى.
هى الديمقراطية التى لا يخلو أى خطاب منها ومن كل الأطراف تلك التى تطالب بها من شعوب أو فئات مجتمعية وتلك التى تنتهكها أيضا فهى «تزين» خطاباتها اليومية بها ولم لا؟
***
الواقفون على طرفى المعادلة السياسية وعلى النقيض من بعضهم يقولون إنهم يعملون بها أو يطالبون بها أو يسعون إليها. وآخرون يرددون لماذا لا نكون مثل تلك الدول ويعطون أمثلة، بعضها محق بعض الشيء وأخرى لا علاقة لأنظمتها السياسية بالديمقراطية سوى إن كنا نعتقد أن أى برلمان منتخب يعنى أن هناك سلطة حقيقية وصوت للشعب بأطيافه المختلفة يعبر عنه من قبل هؤلاء المنتخبين عبر دوائر وصناديق اقتراع هى الأخرى يتوهم بعضنا بأنها شديدة الحياد.
***
فى اجتماع منذ أكثر من عقدين فى مدينة أكسفورد البريطانية وفى جامعتها العريقة، جلست مجموعة من المثقفين والعاملين فى الحقل السياسى من منطقتنا العربية. جمعتهم حينها الديمقراطية أيضا أو البحث عنها وكيفية تحقيقها فى دولنا التى تأخرت عن ذاك الركب الطويل من الدول المتحولة. معظمهم رحل عنا ولم يرَ حلمه بالديمقراطية ولا حتى أول لبنة فى طريقها الطويل وآخرون كبروا أو «هرموا»، كما قال ذاك الواقف فى ليل تونس فى تلك السنة التاريخية بالنسبة لهذه المنطقة ككل، فمن بعدها لم يبقَ أى حجر ولا بشر إلا وتغير حاله أو انتقل إلى مكان آخر أو حتى عالم بعيد!!!
***
هناك ردد الباقى رغم رحيله أستاذنا رياض الريس وهو يختم ذاك الاجتماع فى يومه الأخير وبعد مداولات طويلة، لا يوجد بيننا من هو ديمقراطيا حقا.. ثم أضاف ربما فقط تلك الصبية التى تشاركنا نحن «الشيوخ» هذا الجدل ولكنها قد آمنت به وربما ببعض من ما كتبناه نحن وبدأت رحلة بحثها عنه مرات بالكتابة ومرة بالأحاديث والندوات.
***
مع السنين زادت حدة المتحدثين والمطالبين بالديمقراطية وكثرة المقالات والدراسات والكتب فيما بقى المواطن البسيط فى أوطاننا ينكش صفائح القمامة بحثا عن رغيف أو بقايا طعام ليعود به لعائلته.
بعضهم قال بعدها «الديمقراطية ما تطعمش عيش»، وكأنها قد تحققت فعلا وفشلت، مشيرين إلى الحملات الانتخابية لتلك البرلمانات وللصور والشعارات التى تملأ الدنيا من شوارع ومدن وفضائيات ووسائل تواصل.
***
فى ليلة صعبة بتلك البلدة المحاصرة تحلقت مجموعة من الشباب حول القادمين لهم لإطعامهم وإنقاذهم وسألوا زوارهم «ألا يحق لنا نحن أن نعيش الديمقراطية، كما تلك الشعوب العربية أيضا المتنعمة بكل ما لذ وطاب». فى تلك اللحظة وبعد يوم طويل وشاق جسديا ونفسيا، نظر الزوار إلى بعضهم مترددين فى الإجابة. فهل يقولون لهم بأنه «ليس كل ما يلمع ذهبا»، أو يرددون عليهم أن الديمقراطية التى يقرأون عنها فى الكتب هى مجرد يوتوبيا أو مثالية لم تتحقق بعد. وهل يشرحون لهم أن صناديق الانتخابات لا تعنى أن هناك ديمقراطية وأن الأصوات «الرادحة» فى البرلمانات لا تعنى أن صوت الناس أو بعضهم قد وصل وأصبح له قيمة ما.
***
كان الشباب شديدى الحماس فراحوا يسألون زوارهم فردا فردا بعد أن يتعرفوا على بلده أو بلدها ثم يتابعون بالسؤال الدائم «كيف حال الديمقراطية عندكم؟»، أكثرهم صراحة كان ذاك الأيرلندى الذى قال لهم لا تكثروا من المثاليات حتى لا تصابوا بخيبة الأمل بعد كل تضحياتكم الكبيرة، فلا توجد ديمقراطية حقيقية فى أى مكان.
***
هو وآخرون لم يعرفوا كيف يقولون لهؤلاء الشباب وغيرهم من الحالمين فى أوطاننا أن حتى نخبتكم الجالسة خلف «يافطات» الأحزاب والمعارضات والثوريات وتلك الحاملة لقب مثقف أو خبير، حتى كل هذه الشخصيات كثيرا من الأحيان لا تؤمن بالديمقراطية بل ترددها كشعار وعند أول منعطف يخرج ذاك المختبئ بداخلها، ذاك الدكتاتور الصغير الباقى فينا جميعا الذى يذكر صاحبه «أنت أو لا أحد» أو على أقل تقدير «أنت الأكثر فهما ومعرفة وخبرة والأجدر بالمنصب القادم». هم أيضا يطالبون بسقوط الأصنام ليجلسوا هم مكانها وليس لكرس الأصنام وعبادة الفرد وطريق الرأى الواحد وأن تكون معى أو ضدى فلا ثالث لهم.. هم أيضا مصابون بالداء نفسه وفى كثير من الأحيان دون أن يدركوا وأحيانا مع سبق الإصرار والترصد.
***
الحديث عن الديمقراطية ليس كممارستها أو أنها أصبحت أيضا جزءا من «الكلمات الموضة» والشعارات الرنانة للوصول إلى الكرسى الوثير ثم تنتهى تلك المسرحية!!!
لا ديمقراطية سوى بديمقراطيين حقيقيين فارحمونا