توقيت القاهرة المحلي 14:27:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عند حافة الحياة هم

  مصر اليوم -

عند حافة الحياة هم

بقلم - خولة مطر

لا تقاوم غواية المشى فى مدن تمنح المساحة لكل شكل من الرياضة والحرية لقدميك فى أن تتحررا من خوف المشى بين مواقف السيارات التى تسلطت على الشوارع والأرصفة.. تترك العنان لرجليك وتلقى بالخارطة بعيدا فأبناء البحر والصحارى لا بد أن ترشدهم بوصلتهم الفطرية.. تتعمد أن تتوه على الرغم من أنها مدينة لا تعرفها جيدا ولا تتقن لغة أهلها..

***

الشوارع نظيفة كحال مثل هذه المدن فى أوروبا والأرصفة محفزة على المشى وتوحى باحترام بلدياتها لسكانها.. تتوغل أكثر تبدأ ملامح المدينة فى التغير فالمدن كالبشر التى تسكنها تتحول مثلها أو تتشكل على أهوائها.. تغريك الأزقة كما هى مدننا العريقة حيث للأزقة رائحة الياسمين والقهوة المعتقة فى فناجين القلوب.. تتساءل هل تعرضت هذه المدن للدمار والهدم الذى تعيشه مدننا العريقه اليوم.. تبحث عن بارقة أمل كتلك التى شعرت بها وأنت تسير يوما فى برلين فهذه مدينة دمرت حتى آخر حجر فى الحرب العالمية الثانية، وها هى عادت مدينة مستجدة قد تكون كتلك التى سبقت الحرب ولكنها نهضت من تحت رمادها وأعادت للبشر مساحاتهم للحب والاستمتاع بالفن والموسيقى..

ولكن تأخذك الأفكار إلى ما حل بتلك المدن بعد الحرب ومدنك التى كلما توقفت طلقات النار والذبح على الهوية بها عاد لها تجار الحروب وزعماء الجماعات بربطات عنق وبدلات أنيقة وهويات جديدة لنفس ذلك الفكر التدميرى.. فكان أن زاد الفقر والتهميش والظلم وقلت الكهرباء والماء وشحت أدوات التواصل إلا بأثمانها الباهظة.. وفيما بان بعض بصيص أمل من خطاب بدا كأنه أقل عنفا وخرابا، برزت مدن لا تشبه سكانها وشوهت الأزقة والمدن القديمة وتحولت إلى مجرد أحجار بلا هوية ولا تاريخ!!!

***

فيما سرحت بعض الشىء أو ربما أكثر، تتفاجأ بتغير المناخات حولك فالأرصفة تضيق فجأة وتتراكم عليها القمامة وجدران المبانى شاحبة ومليئة بالخطوط والرسوم والشخبطات التى لا هى فن الجدران الحديث «الجرافيكى» ولا هى جزء من خطوط الماضى الجميلة.. وحتى أبواب العمارات المهترئة إلا من أقفال متهاوية مما يوحى بقلة الأمن وكثرة السرقات.. وتتحول المحلات و«يافطاتها» فهنا «مجزرة إسلامية» وهو محل للجزارة وهناك مناقيس ومشويات عصام وبعدها مجزرة عبدالله الإسلامية وتبدأ أشكال الغمامة تسرق المساحات من الطرقات والأرصفة وهناك «صالون الشام للحلاقة» وأمامه اصطف الشباب من جنسيات عربية مختلفة معظمهم على ما يبدو عاطلون عن العمل فالوقت ظهرا وهنا أوقات العمل تمتد للساعة الخامسة مساء وهم يكثرون فى الطرقات والمقاهى!!! المنطقة التى يكتسحها الحجاب، مطعمة ببعض النساء من بلدان أخرى غير مسلمة... يتجاور الفقر والتهميش وربما يتصادقان، على الرغم من أنهم فى أوطانهم عنصريون جميعا إلا هنا تجد هناك ما يوحدهم..

***

بعض الأطفال خارجون من المحل، هم خليط بألوان الطيف يمرحون معا وهذا ما يبعث ببعض الأمل ربما فقد ينشأ جيل جديد أقل تعصبا للون أو العرق أو الدين أو الطائفة ربما!!

بمجملهم هاربون من الفقر والعوز العدوين اللدودين للحياة الكريمة. ومعه كثير من البطالة والتهميش.. رحلوا ربما عبر تجار ومهربين أو حتى عبر القنوات الرسمية وما لبثوا أن سقطوا فى دائرة تهميش أخرى فى مجتمعات قبلتهم وأوجدت لهم بعض فرص العمل حتى ولو كانت تلك التى يرفض أبناؤها الأصليين العمل بها، إلا أنهم لا يستطعيون البعد عن تكتلات تشبههم بعض الشىء ويجدون فيها بعضا من وطن غادروه ربما دون رجعة إلا فى الإجازات المتباعدة يعودون منه محملين بحنين سيبقى ملاصقا لجلدهم وما يلبثون أن يلاقوا التهميش من جديد وهو ذاك الذى أشعل نيران التظاهرات والاحتجاجات أو أرسل ببعضهم إلى ما هو أبعد وهو عمليات التفجير والانضمام إلى الجماعات المتطرفة أو الرحيل إلى «دولتهم المنشودة»!!!! هل استطاعوا أن «يقبروا الفقر» كما يقول أهلنا فى الشام؟ قد يستطيع بعضهم ولكن أكثرهم بالطبع سيبقون حبيسين تلك الدائرة صعبة الكسر ويرحلون من أطراف الحياة إلى هامش الأرض!!!

نقلا عن الشروق القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عند حافة الحياة هم عند حافة الحياة هم



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon