بقلم - خولة مطر
كل مرة تتكرر العبارة لقد سقط القناع وتتساءل أى قناع بقى لكى يسقط فلم يعد هناك أية أقنعة … كلها كانت قد تدحرجت على مر السنين التى تبدو أطول وأكثر اكتظاظا بالأحداث.. لم يعودوا بحاجة إلى أقنعة أو إلى تبرير أو حتى الخوف من شعوب أكثر انشغالا بلقمة عيشها حيث شبابها يسكن الأرصفة والمقاهى، أو ينهى حياته فى قاع البحر وهو يتطلع إلى الضفة الأخرى وكأنها قارب الإنقاذ الوحيد المتبقى له بعد أن أصبحت الأوطان طاردة..
عادوا ليقولوا لقد سقط القناع بعد القناع خلف القناع والوجوه مكشوفة منذ مدة والسياسات والأجندات واضحة وضح شمس صيف آب اللهاب.. لم يعودوا بحاجة إلى أقنعة عندما ضاعت البوصلة وأصبح تحويل القدس إلى عاصمة للمعتدى والمغتصب مجرد تفصيل فى نشرة أخبار مملة ومكررة بين خطابات مليئة بالمتناقضات من خطابات تحت تسمية حق الشعوب وحريتها والدفاع عن الديمقراطية وكلها قادمة من مدن لم تعرف أى شكل للديمقراطية بل وتحارب وتدين كل من يتحدث حتى عن أبسط حقوق المشاركة !!!!
***
يبدو هذا الصباح دون أقنعة أكثر مرارة من المرات السابقة ربما لمعرفتك بأن الصور تتكرر ولم يجهد أحد مذيعى نشرات الأخبار أن يعمل تلك المقارنة بالمرات السابقة التى كان فيها العربى الجيد هو العربى الميت كما قالوا وكرروا واسمعونا إياها فى مؤتمرات ولقاءات ودعوات عشاء فى قصورهم التاريخية!!!! لم يكلف أحد نفسه وسعا أن يعيد التذكار بلحظات شبيهة فى التاريخ الحديث فيما نحن منغمسون فى الحديث عن تلك الحادثة منذ أكثر من مئات السنين نرفع السيوف لننتقم لتلك الأحداث وننقسم أكثر من انقساماتنا ونهدر ثرواتنا ونشترى الولاءات ومعها حزمة من الأسلحة الحديثة التى لن تكون إلا حطب نار ومزيدا من التقسيم والفتنة.. نار ستقضى حتما وبشكل تدريجى وسريع على كل ما تبقى من ثروات الأجيال القادمة وتصبح مدننا مجرد صحراء قاحلة لا تحمل إلا كثير من الحقد والدمار…
***
سقط القناع يقولون فى كل مرة وكأنهم أو كأننا ننسى أو نتناسى نفس الصور بل نفس الصواريخ والطائرات الحربية والبوارج والأسلحة «شديدة الذكاء والدقة»!!! وكأن الحروب المتكررة قد أحضرت لشعوبنا المتعبة بمزيد من المنى والسلوى!! انظروا لشوارع العواصم الكبرى، تلك الحاملة لتفاصيل تواريخ وأحداث وحضارات تركت بتضاريسها فجاءت طائراتهم لتقضى على البشر وكثير من الحجر المعتق بعرق البشر الذين بنوا ذاك التاريخ الحافل بكثير من الدم والعرق…
***
لم تعد الأقنعة مجدية إلا تلك التى تكثر فى حفلاتهم التنكرية الصاخبة، تلك الحفلات التى اختلطت هى بالواقع والأحداث والاجتماعات السياسية حتى أصبح من الصعب التفريق بين الحفلة التنكرية والاجتماع السياسى؟؟!!! وكثر العبث خلف العبث حتى أصبحت تلك الواقعة التاريخية لـ«نيرون» مجرد رحلة بسيطة مقارنة بما يحدث هنا فى هذه المنطقة المنكوبة بنفطها وذهبها وعرق أبنائها وأجسادهم الساكنة فى قاع البحار والمحيطات!!!
من العبث الحديث عن الأقنعة وسقوطها بل إن خلع الجميع عقال العقل وبضعة أقمشة كانت تغطى عورتهم أو ربما عورتنا جميعا..
***
لقد سقطت الأقنعة منذ سنين قبل سنين منذ أن أصبحت ثرواتنا أهم من دم أخوتنا والأرض لا قيمة لها والعرض ما هو سوى قطعة قماش تغطى بضع خصلات شعر النساء تصورنا إن كرامتهن وعزتهن وشرفهن يتمثل فى ذلك فيما شرف الجميع رجال ونساء وأطفال وشيوخ ينتهك يوميا تحت تسميات مختلفة وبأسماء وحجج ولا يملك المعنيون والمسئولون عن «شرف» وكرامة شعوبهن سوى أن يرسلوا التغريدة خلف التغريدة بكثير من التأييد لأولئك الذين باعوهم الأسلحة والأحلام بالأمن والسلام.. للشرطى المقبل فوق التمهوك.. المدافع عن ديمقراطية الكون بهمجية و«بلطجة» هو مستمر فيها ولم يتغير ونحن هنا لم نتغير أيضا سوى أنه لم يعد هناك أية مساحة للحياء أو الخجل والشعوب مشغولة أو منشغلة ومستقبلها يحدد هناك ولا شيظ يبقى إلا مزيد من الأقنعة تتساقط واحدة خلف الأخرى..
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع