بقلم: خولة مطر
بين رئيس وآخر، زعيم وآخر، مسئول وآخر، حبيب وآخر، آخر وآخر يبقى الانتظار. ربما هو طبع البشر أن يتأملوا خيرا أو أن يخافوا شرا من القادم ولكنهم فى مجمل الأوقات يبحثون عن من يطمئنهم أو يخفف عنهم أو حتى أن يجعلهم يتخطون مرحلة صعبة وكثيرا ما يكون خيارهم الوحيد هو الانتظار!!!
***
العالم اليوم فى تلك اللحظة أى لحظة الترقب والانتظار.. فى البدء كان الخوف من الفيروس وبعدها أصبح القلق من اللقاح وما بينهما مرت مياه كثيرة تحت ذاك الجسر وحده فيما العالم يتحول حوله منذ سنين بل ربما عقود..
***
وحتى لا يكون الفيروس هو مفرق اللذات ومفسد عاما بأكمله، أى 2020، الذى اتفق البشر فى كل حدب وصوب على أنه عام يريدون له الرحيل سريعا وأن يمحى من دفاتر أو كتب حياتهم.. الفيروس ليس وحده خالق لحظة الانتظار الطويلة، بل كثيرون غيره ساهموا فى خلق تلك الفترة الممتدة وكل له سببه.. بعضهم ينتظر الرئيس الأمريكى القادم، بل ربما معظمهم وهم يجمعون ويطرحون ويخمنون ويحللون ثم يلجأون إلى المنجمين الذين تربعوا على عرش اللحظة الآن.. وآخرون يترقبون بشديد من القلق أو الانبهار، ما يحدث من تقاربات و«صداقات» جديدة بل «غزل»!! وما بينهما يبقى هو، أى المواطن، فى منطقتنا يحسب حياته بعدد الدقائق والساعات التى يقف فيها عند المخبز أو محطة البنزين أو أمام مكتب المسئول «المستجد» على الوظيفة، قليل الخبرة كثير الاستعلاء ووهم المعرفة!!! وآخر يراكم الملايين، بل يصفها طبقات فوق بعض وكلما كثرت الأصفار أمام أرقام حساباتهم قالوا «هل من مزيد» أو رفعوا شعارهم الممجوج «هذا من فضل ربى».
***
وما بينهما انقرضت الطبقة الوسطى تدريجيا كحيوانات الباندا وقبلها الديناصورات حتى تصور أحدهم أن متاحف عواصمنا ستضيف قسما خاصا بين التحف والآثار يتناول تفاصيل ما كان يعرف بالطبقة الوسطى التى كانت يوما ميزان أى مجتمع وصمام أمانه..
***
الانتظار كان يقال إنه يميت اللحظة أو ربما للبعض يحييها.. بعضهم ينتظر الحياة وآخرون فى ترقب للموت وما بينهما مزيد من الانتظار..
زمان كان الانتظار ربما لحب قادم، لعشق قد يعود، لصديقة تعود بعد غياب، لمصالحة بعد خصام أو خلاف، لاكتشاف ما كان أمام الأعين ولم تره، لمكالمة لم تأتِ، ورسالة لم تكتب أو محيت قبل أن ترسل، لفرحة أو فرح!! كان الانتظار كل ذلك حتى كتب الرائع محمود درويش قصيدته الشهيرة وعنونها «فى الانتظار» وقال:
فى الانتظار، يُصيبُنى هوس برصد
الاحتمالات الكثيرة: ُربَّما نَسِيَتْ حقيبتها
الصغيرة فى القطار، فضاع عنوانى
وضاع الهاتف المحمول، فانقطعت شهيتها
وقالت: لا نصيب له من المطر الخفيف/
وربما انشغلت بأمر طارئٍ أو رحلةٍ
نحو الجنوب كى تزور الشمس، واتَّصَلَتْ
ولكن لم تجدنى فى الصباح، فقد
خرجت لأشترى غاردينيا لمسائنا وزجاجتينِ من النبيذ
وربما اختلفت مع الزوجِ القديم على
شئون الذكريات، فأقسمت ألا ترى
رجلا يُهدِّدُها بصُنع الذكريات
ويزيد فى خيالاته حتى يصل إلى: وربَّما ماتَت،
فإن الموت يعشق فجأة، مثلى،
وإن الموتَ، مثلى، لا يحبُّ الانتظار
***
أما الآن فالانتظار هو من ترامب إلى بايدن ومن الكورونا إلى لقاحها، ومن الإغلاق الكلى أو الجزئى وما بينهما، أو هل نفتح محلات الحلاقة أولا أم البارات والحانات والمطاعم؟؟ والانتظار هو أن الأعياد قادمة فنشترى الهدية من على النت أم ننتظر حتى يقرروا أن الموت قادم ربما بحمى أو ربما بأمعاء خاوية حتى الجوع!!! الانتظار بين اقتصادات تموت أو تدفن حية وأخرى تعيش على موت الآخرين!! بين من يحارب ليبقى حتى ما بعد اللقاح فربما ينجو من المجزرة الاقتصادية أو آخر ينتظر أن تفتح الحدود أو المصارف أبوابها أو ترضى بأن تعطى المودعين أموالهم بعد طول انتظار!!
***
انتظار هو واللحظة تمتد وتطول والجميع يداعب أجهزته التى أصبحت هى الصديق، والرفيق، والحبيب والزوج والمسلى أو الأراجوز حتى يأتى «الفرج» أو ربما نعتاد الانتظار حتى نمرض به أو منه.