بقلم: خولة مطر
بعضهم أو بعضنا يبحث عن الفرح وبعض السعادة من خلف جدار العتمة وبعضهم أو بعضنا يبعدون عنهما ويتشبثون بالكآبة حتى عند بدء يومهم بقوس قزح فى أفق سماء لا يسكنها سوى العصافير.. وعندما تسرف الحياة فى زخات مطرها المنعش يتعوذون من الشيطان الرجيم تحسبا للقادم وخوفا من ما يسمونه مصيبة أو كارثة.. عندما ينهمر الضحك فى ليلة حميمية مع بعض من الموسيقى والرقص وكثير من المحبة يكررون «الله يكافينا شر هذا الضحك» أو «أكيد راح نصبح على خبر حزين».
***
هؤلاء ينبشون الغبار عن صور لا تحمل إلا كثيرا من الشواهد والقبور ليعيدوا تكرار سيل الدمع ليته كان قادرا على عودة الراحلين ولو للحظات فقط.. تكثر خطابات نصحهم فى الأوقات العصيبة وكأنهم يقولون للآخرين «ألم نقل لكم؟»، وعندما اجتاح الفيروس «اللعين» أرض الكون من أولها إلى آخرها، انتعشوا هم دون أن يعلموا ربما حتى لا نظلمهم فهذه خصلة أو ربما مرض ربما؟؟!!
***
أما الآخرون أولئك الباحثون عن الأمل فى زمن الانحدار على مختلف الصعد والمستويات، فهؤلاء هم من يمكن تسميتهم بصائدى أو مقتنصى اللحظة. هم من يمسكون بها بقوة كما الأمل وعندما يقولون صبرا أو بعضا منه، فهم لا يعنون أن نصبر حتى أبد الأبدين فقط فى انتظار همسة أو لمسة أو جلسة تجمعهم بالأحبة.. هم من يخلقون الفرح ولا ينتظرون من يوزعه عليهم أو يمنحهم إياه كـ «المكارم» وهم من يعرفون أن الفرحة الحقيقية ليست بحاجة إلى طائرة خاصة ومدينة «ازكوتك» أو شنطة أو فستان أو حذاء رجالى أو نسائى أو حتى ساعة حتى لا ننسى كل تلك «القبيلة» الكونية الجديدة التى لا تعرف السعادة والفرح سوى عبر حقيبة من المال.
***
هم يحملون ما يحبون ومن هم الأقرب إلى قلوبهم وبعضا من الموسيقى ليست تلك التى تسبب التلوث الصوتى، بل بعض من الجديد والقديم الذى قد لا يكون دائما «موضة».. ويسكنون المكان الذى يعيشون اللحظة فيه معا، يحولونه إلى أقمار فى سماء حالكة السواد ويتشبثون بالفرح لأنه مثل الأمل يبقى للحياة معنى بل ويقال إنه يطيلها أيضا لمن يحب أن يعيش أطول وأكثر!!!
***
كارهو الفرح يقرأون خبرا صغيرا على وسائل التواصل من مصدر غير معروف، أو غير موثوق أو حتى لا مصدر ويبقون لأيام يرددونه ناشرين الخوف والفزع والرعب للبشرية كأفلام هوليوود التى تقول إن الحياة قد تنتهى فى ذات لحظة وهى فعلا قد تكون كذلك فلسنا خبراء ولا أنبياء ولا منجمون حتى لو كذبوا!!. ولكن الباحثين عن الفرح لا ينشغلون بتلك اللحظة حتى تسقط عليهم وعلى غيرهم.. هم أبناء الآن وأبناء هنا.. الآن وهنا هم ساكنو النغم الجميل، والابتسامة بل الضحكة والجمال المشع من باطن الروح بل من ثنايا القلب.. هم من يرددون «أمانة عليك يا ليل طول».. وبين «كعكعة» وأخرى يرددون بيت شعر وحيد حفظوه عن ظهر قلب «ما أطال النوم عمرا ولا قصر بالأعمار طول السهر».
***
هؤلاء أبعد من يكون عن ذاك النمط من التدين أو الحياة التى تبدأ وتنتهى عند عذاب القبر والعقاب والثواب والترهيب، وكأن الكتب السماوية كلها وبيوت الله لا يسكنها إلا الرعب من القادم وكأنها لم تكن يوما ملاذا ورحمة للبشر.. علاقاتهم بربهم خاصة جدا وكذلك بعملهم وعائلتهم وكل تفاصيل أيامهم.. يرسمونها بعناية الفنان المحترف ويعرفون أن الأجمل قد يكون لم يأتِ بعد حتى لو كانوا فى العقد السادس أو السابع من حياتهم.. هم شباب وشيب يرددون أن أى مساحة للفرح هى يوم جديد يستحق الحياة حتى لو كان هو آخر يوم.. وإن كثر البكاء والحزن لا يأتى إلا بمزيد منه بل حتى الأمراض المستعصية منها والخفيفة.. هم عكس كارهى الفرح ينثرون الابتسامة حتى فى أشد ساعات التوتر والحزن ويؤمنون حتما أن السعادة لا تهدى ولا تمنح بل هى كالحرية تنتزع من باطن الموجة العالية وبطن الحوت..
هم وكارهو الفرح كالأرض والسماء والنار والماء لا يلتقيان أبدا.