بقلم - خولة مطر
لا يمكن إلا أن يكون الخبز من حق آخر منتهك حتى تعلو الصرخة فى الشوارع وتنقش العبارات على جدران المدينة المعتقة فى الظلم بأن الخبز حق أيضا.. والخبز هو مجاز وتعبير عن كثير من الحقوق الأخرى فعندما تكون الأرض تنبت زيتونا فالخبز هو الزيتون والبلح والنقط والقمح!
***
يرفع الكثيرون الخبز ويطرقون الطناجر معبرين عن امتعاضهم أو سخطهم لقوانين تأتى لتعالج هدرا وفسادا لم يكونوا هم، أى فقراء هذه الأرض ومتوسطو الدخل أو حتى طبقة التجار والصناعيين، قد سببوا ذاك الهدر أو ساهموا فى فساد تراكم حتى أصبح كالعفن ينهش فى جدران الحياة اليومية لتفاصيل حيوات البشر على هذه البقعة الممتدة جغرافيا وحضاريا وثقافيا المتقلصة بفعل القائمين عليها من شباب الجيل الصاعد جدا المستعجل جدا، أيضا ذاك الذى انتظرناه طويلا عندما حكم الشيوخ حتى هرموا وتساقطت أسنانهم أو أصابهم كثيرا من الخرف.. انتظرنا وانتظرنا وانتظرنا فجاء الشباب حاملى الآيباد المنغمسون فى متابعة التطورات على أجهزتهم الذكية جدا أيضا، فقلنا على الأرض السلام وفتحنا أذرعنا ملوحين أهلا أهلا بالقادمين الجدد، أولئك الذين انتظرناهم طويلا متصورين أنه قد حان زمن البشائر والعقول النيرة والتكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعى.
***
جاءوا ناشرين للوعود، التين والعنب والتمر وطول السنين! فتساقطت تلك الوعود على رءوس البشر الفقراء منهم ومتوسطى الدخل أولا.. فلم تكن سوى خطط معلبة لرفع الدعم عن الخبز بأشكاله، عن الوقود وعن السلع الأساسية التى لم يعرف البسطاء من هؤلاء المهمشون أصلا سواها لقمة ليومهم المتعب... ثم أضافوا لكل ذلك حفنة من الضرائب ولسان إعلامهم «التطبيلى» يردد أن على المواطن أن يتحمل مسئولياته تجاه بلده واقتصاده ومستقبل أطفاله، وعلى الجميع أن يشمر عن السواعد فقد دقت ساعة العمل.. شعارات لطالما ضحكوا هم منها وعليها وحملوها مسئولية الإخفاقات التى مرت بها هذه المنطقة واحدة بعد الأخرى منذ عقود.. عادوا هم، الشباب المتعلم فى الغرب المتسلح بالتكنولوجيا ليعيد إنتاج تلك الشعارات البالية ويصبغ عليها بعض العبارات الحداثية والكلمات المقتبسة من لغات هى التى أنتجتها أصلا!
***
فجأة نام العرب فى مدنهم المعتمة من قلة الكهرباء أو سرقتها أو فساد القائمين عليها وقلة الماء والسيول تغرق البيوت وتنهى حياة البشر والحجر! واستيقظوا على حوار جديد لم يعتادوه بل لم يكن مسموحا لهم استخدامه.. فماذا يعنى أن يتحولوا فجأة من رعايا إلى مواطنين بين غمضة عين واستفاقة، وماذا يعنى أن على المواطن مسئوليات كبيرة وأن الدولة تغرق فى إفلاسها إذا لم يقتطع منه هو أو منها هى بعض مما يساهم فى صمود اقتصاد الدولة؟
***
استفاق العربى على ترقية لم يعهدها من قبل وهو تحويله فجأة إلى رتبة مواطن وأسعده ذلك للحظات ثم لم يستطع أن يقاوم أن يضحك حتى القهقهة فالتحول لتلك الرتبة المرتفعة تعنى أيضا أن يمنح الحق فى أن يراقب ويحاسب ويساهم فى رسم سياسات بلده الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أيضا حتى لا ينفرد أحدهم بقرارات هى لا تعبر حقا عن تاريخ ومواقف شعوب هذه المنطقة ومصالحها الحقيقية..
***
استيقظ المواطن المستضعف لتراكم من السنين التى ساهمت فى تهميشه على قرع طبول «شد الحزام» وهو لم يعرف أين تبخرت كل تلك المداخيل المتراكمة فى لهث الأيام الطوال وهو يعرق من أجل خبز يومه وعياله.
***
لذلك لا تستغربوا أن يرفعوا الصوت عاليا ويرددوا لسنا ضعفاء بل أنتم من استضعفتمونا ولا تستطيعوا أن تمنحوا الواجبات فجأة دون حقوق وأن تحملوا المواطن «الغلبان» مسئولية كل ما حصل من هدر لميزانيات كانت توصف بالتخمة.
***
إنه العبث حقيقة فى زمن الشباب القادم الذين انتظرهم الجميع طويلا لإحداث ذاك التغيير المطلوب فى بلاد التين والعنب فكان ما كان وأصبحت الأمور تدار عبر ألعاب النينجا!
نقلا عن الشروق القاهريه