بقلم - خولة مطر
آذار أو مارس هو شهر المرأة بجدارة، أو ربما الثامن منه فقط. ولشدة ازدحام الاحتفاليات والتسابق عليها توزعت بعضها لتشمل أياما أخرى وتسطو على الشهر بأكمله أو على أقل تقدير على أوائله..
***
هناك العديد من النوايا الحسنة المصحوبة بهذه المناسبة وأيضا الحماس لقضايا المرأة خاصة أننا فى منطقة لا يزال فيها حصول المرأة على أبسط حقوقها الطبيعية كمواطنة يعد إنجازا يحسب للقائد أو الرئيس أو الملك أو الأمير أو حتى شيخ القبيلة أو العشيرة!!!
***
فى هذا اليوم تعج الأماكن العامة بصور متنوعة لنساء متنوعات حتما ولكنهن لا تزلن تشكلن النخبة وليس القاعدة العريضة من النساء.. فأم محمد بائعة الفجل والجرجير على حافة الرصيف لا تعرف شيئا عن الثامن من مارس ولا عن سبب الاحتفال بها ومضت سنون طويلة وهى لم تعرف ــ منذ ولادتها حتى سقطت ذاك اليوم أمام فرشتها عند ذاك الرصيف المكتظ وراح أهلها يبحثون لها عن حفرة فى الأرض لدفنها فيها.. هى المعيل وقد رحل لأسرة مكونة من عشرة أفراد ــ ماذا يعنى أن يكون هناك يوم للمرأة أو عيد لها!!!
***
مثل أم محمد كثيرات.. حدثتنى عن بسمة وفاطمة اللتين لم تتجاوزا بعد الثلاثين من العمر وفقدتا زوجيهما فى ساحات مختلفة ربما هى المعارك الدائرة والمحتدمة فى أوطان مزقتها السياسة باسم الدين والمذهب.. هما تعملان كعاملتى تنظيف فى الفنادق والمؤسسات بجهد كبير للابتعاد عن سوق النخاسة فى زمن الحرب وهى سوق واسعة ورائجة... هما أيضا لم تسمعا عن الثامن من شهر آذار وحتى لو سمعتا فسوف تضعان ابتسامة على وجهيهما المتعبين وتعودان لتنظيف الحمامات العامة والخاصة بدلا من السقوط فى أيدى تجار الجنس المتنوعين!!!
***
حدثتنى عن آمال التى تقف عند ناصية ذاك الرصيف والقذائف لا توقر أحدا وهى لا تزال تنتظر أن يتكرم عليها أحدهم بسندوتش فلافل مقابل ما يريد!! ولكم أن تتخيلوا ما الذى يريده هو من فتاة فى العشرينيات والفقر ينهش جسد الأسرة بكاملها.
***
حدثتنى عن النساء حتى فى ما تبقى من الطبقات الوسطى يعملن ليل نهار ليساهمن فى المحافظة على مدخول معقول لأسرة عليها أن تحافظ على تلك الطبقة التى نهشتها الشريحة العليا الحاصلة على أكبر قسط من كعكة الاقتصاد.. تقول منى إنها تعمل لتساعد زوجها فى توفير ليس فقط لقمة العيش و«السترة» بل التعليم للأبناء الذى يقال إنه سلاح لكل زمان ومكان!!! وفى المقابل يبقى الرجل متمسكا ومتشبث بدوره التاريخى بأنه رب الأسرة ولذلك فمهمته هى إحضار المال.. كان يقال لنسائنا فى زمان قديم «منه المال ومنك العيال» عندما قسم المجتمع الأدوار ورسم خطا واضحا لحدود كل طرف فى المعادلة الأسرية ولكن عندما أسقط الاقتصاد هذه الخطوط بقى على المرأة الأم والأخت والابنة أن تساهم فى مدخول الأسرة وأن تستمر فى تحمل مسئولياتها التقليدية.. لم تتغير الأدوار لتعكس التمكين الاقتصادى الذى قيل إنه سيحررها من براثن سنين من التخلف بل التحجر والاضطهاد والقهر..
***
حدثتنى عن مساءات القرية والنساء عائدات من الحقول الواسعة بعد يوم عمل شاق فى الزراعة أو قطف المحاصيل لمنزل ينتظر أن تنهى يومها بساعات أخرى من العمل فى التنظيف والتربية والطهو وغيرها من المهمات ويضاف لها «الترفيه عن زوجها!» وإلا فالاغتصاب الأسرى المنتشر وغير المعترف به هو مصيرها كما مصير كثيرات مثلها..
***
حدثتنى عن نساء فى جنوب الجنوب يقمن «بشك» التبغ عبر ما يشبه السكين وما يسمى «الميبر» والدم يسيل من أياديهن والرجال جالسون يحتسون القهوة ويدخنون السجائر ويتسامرون.. فى تقسيم للأدوار هو جزء من تراث يتم المحافظة عليه وكأنه أمر واقع ومسلم به وأن المساس به كالكفر!!
***
فى كل عام أقول إن للمرأة كل أيام العام ولن يكفى ذلك لعودة الكرامة لها ومع ذلك نأتى لنحتفل بها فى يوم.. ننشد الشعر أو بعض الغناء وكثيرا من الخطابات الرنانة حول تمكينها ووووو وتبقى النساء هناك فى العربات المزدحمة والشوارع المكتظة وحقول القمح والقطن والياسمين والتبغ وفى العشوائيات والمقابر أو حتى خلف الأغطية السوداء فى مناطق مخصصة «للنساء فقط» وكأنهن مرض معد كالطاعون فلا تصدقوا أن عزلة النساء فى فضاءات محدودة هو محافظة على المرأة وكرامتها كما يقال ويكرر بل هو ــ حقا ــ ربما خوف منها ومما تستطيع النساء أن تقمن به لو فتحت السماوات لهن..
***
حدثتنى عن الوجوه المتعبة فى الثامن من مارس فقلت لها لا تنسوا النساء فى هذا اليوم فهن أكثر الغائبات عنه!!!
كاتبة بحرينية
نقلا عن الشروق القاهريه