توقيت القاهرة المحلي 12:33:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غزة في عز الشتاء

  مصر اليوم -

غزة في عز الشتاء

بقلم - خولة مطر

إنه الشتاء، والشمس ترحل سريعا، وبين لحظة وأخرى تنقلب السماء إلى مساحات من السحب المكتظة الحبلى بكثير من الماء والبرد وأحيانا بعض الثلوج.
• • •
إنه الشتاء، بعضنا لا يعرفه بل كثير منا راح ينتقل بين الملابس الخفيفة والثقيلة، ويتذمر عندما تسطع الشمس وتكثر من دفئها أو أن تختفى فيسقط المطر مع رياح باردة.
• • •
إنه الشتاء، بعضنا يحبه، وآخرون يفضلون الصيف والحر حتى لو انقطعت الكهرباء واختنق البشر من حرارة المدن الأسمنتية.
• • •
إنه الشتاء، يقول بعضنا ليله طويل ويقول آخرون ليلنا طويل حتى بعد أن يرحل الشتاء.. بعضنا يتذمر من شدة البرد وهو قادر على أن يلبس ما يبعث الدفء أو أن يفتح الدفاية، وآخرون يتفاخرون بمعاطف الفرو المحرمة!
• • •
إنه الشتاء، والليل فى غزة كما نهارها معتم إلا من أضواء قنابلهم وصوت الرعد المختلط بالقصف المستمر.
• • •
إنه الشتاء، وليل غزة كما نهاراتها دون كهرباء ولا ماء ولا وسائل تواصل ولا أكل ولا ماء ولا دواء ولا.. ولا.. إنها غزة منذ السابع من أكتوبر تعيش دون مقومات الحياة التى نتذمر طويلا عندما لا نجد بعضها ولبعض الوقت فقط.
• • •
ماذا يفعل أطفال غزة فى النهارات الطويلة غير الجرى بعيدا عن صاروخ أو قذيفة، وإذا ما ابتعدوا لبعض الوقت راحوا يبحثون عن بعض الماء أو قطعة خبز أو حبة أرز أو حتى أى وهم يتسلون به لينسوا ذاك الجوع والعطش؟
• • •
إنه الشتاء، والطبيعة كما كل الكون تآمرت عليهم فأرسلت بعواصف قادمة من هنا أو هناك وهى فى كلها لا تحمل سوى البرد للأجساد المتعبة والمنهكة والحزينة والعارية أيضا.
• • •
يرسل ذاك الصديق صورة وصلته للتو وهى لما بقى من بيته الذى نزح منه بعد شدة القصف وكثرة الإنذارات، وأصوات أولاده القادمة من مدن بعيدة تناديه هو وأمهم بأن يرحلوا وأن يبقوا أحياء!
• • •
إنه الشتاء، يقول بعضنا والجبال لم تكتسِ البياض حتى نذهب لممارسة هوايتنا فى التزلج، ويقول آخرون فى مدننا أيضا، والبرد لم يشتد لنخرج فى رحلة برية فى الصحراء نلعب ونمرح بين التلال وبعض الجبال الصغيرة.. وأصوات التذمر ترتفع حتى تطغى على كل صوت آخر فلا نسمع إلا كثيرا من «النق» على أن الشتاء لم يأتِ بعد وإننا نعانى لأننا لن نتزلج هذا العام!
• • •
إنه الشتاء، وأطفال غزة ينتفضون تحت زخات المطر المتجمدة فى خيم غرقت فى بحار من الماء، وعندما يفرون بعيدا عنها ليس أمامهم سوى مزيد من المستنقعات وسط عتمة ليل غزة دون كهرباء ولا أى مظهر من مظاهر الحياة.
• • •
إنه الشتاء، وبعضنا يرحل إلى أوروبا للعيش فى أجواء الهواء المثلج بمعطف دافئ، فيما أهل غزة بل أهلنا يبحثون بين الركام وتحت الأنقاض عن بقايا برواز لصورة أو لوحة أو حتى حطام خزانة ملابس لبعضهم الذين كانوا هناك، ليشعلوها علها تبعث بعض الدفء فيتحلقون حول النار باحثين عن بعض الماء وبضع أكياس من الشاى ليسدوا معدتهم بشىء من الدفء الكاذب!
• • •
إنه الشتاء، وصور الملابس الدافئة والكستناء المشوية تملأ يافطات شوارع المدن القريبة، وهم هناك لا صور لهم سوى بقايا بيت بل بقايا حياة بعض صور وذكريات.
• • •
إنه الشتاء، والحرب لا تزال تنهش فى عظام أهل فلسطين، هى والشتاء وكأن الطبيعة تحالفت للمرة الأولى مع النازيين والدكتاتوريين بل مصاصى الدماء من البشر.. فراح أهل غزة يرحلون وكأنه لم يكفِ النزوح بل اللجوء الأول منذ أكثر من سبعين عاما.
• • •
إنه الشتاء، لا رحمة من البشر ولا السماء ولا الأرض، إلا ربما لو تصورنا أن هطول المطر المثلج رحمة ليوفر قطرة ماء عمل الصهاينة لسنين طويلة على منعها بل منع الفلسطينى والفلسطينية من الاستفادة منها.
• • •
إنه الشتاء لا غطاء لأهل غزة وفلسطين إلا جلدهم، ولا كساء إلا بعض من قطعة قماش يتقاسمونها، ولا ماء سوى كثير من دمع نسائهم، أولئك اللاتى يحملن جثث أطفالهن الصغار لمسارات طويلة وهن يذرفن الدمع بحثا عن حفرة يحمون فيها الجسد الطرى بعيدا عن حقدهم ولا مبالاة الكون أو ضعفه سوى من بعضنا وبعضهم ومسيرات هنا ونداءات هناك.
• • •
إنه الشتاء، وليس لأهلنا فى فلسطين سوى جنوب إفريقيا تمدهم ببعض الأمل فى ليل العرب والكون المعتم، ألا يستحق أحفاد مانديلا أن يخلدهم التاريخ العربى والعالمى لأنهم من تبقى من البشر الحقيقيين الحريصين على إنسانية يعملون كلهم على قتل بعضها الباقى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزة في عز الشتاء غزة في عز الشتاء



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon