توقيت القاهرة المحلي 11:05:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غزة في عز الشتاء

  مصر اليوم -

غزة في عز الشتاء

بقلم - خولة مطر

إنه الشتاء، والشمس ترحل سريعا، وبين لحظة وأخرى تنقلب السماء إلى مساحات من السحب المكتظة الحبلى بكثير من الماء والبرد وأحيانا بعض الثلوج.
• • •
إنه الشتاء، بعضنا لا يعرفه بل كثير منا راح ينتقل بين الملابس الخفيفة والثقيلة، ويتذمر عندما تسطع الشمس وتكثر من دفئها أو أن تختفى فيسقط المطر مع رياح باردة.
• • •
إنه الشتاء، بعضنا يحبه، وآخرون يفضلون الصيف والحر حتى لو انقطعت الكهرباء واختنق البشر من حرارة المدن الأسمنتية.
• • •
إنه الشتاء، يقول بعضنا ليله طويل ويقول آخرون ليلنا طويل حتى بعد أن يرحل الشتاء.. بعضنا يتذمر من شدة البرد وهو قادر على أن يلبس ما يبعث الدفء أو أن يفتح الدفاية، وآخرون يتفاخرون بمعاطف الفرو المحرمة!
• • •
إنه الشتاء، والليل فى غزة كما نهارها معتم إلا من أضواء قنابلهم وصوت الرعد المختلط بالقصف المستمر.
• • •
إنه الشتاء، وليل غزة كما نهاراتها دون كهرباء ولا ماء ولا وسائل تواصل ولا أكل ولا ماء ولا دواء ولا.. ولا.. إنها غزة منذ السابع من أكتوبر تعيش دون مقومات الحياة التى نتذمر طويلا عندما لا نجد بعضها ولبعض الوقت فقط.
• • •
ماذا يفعل أطفال غزة فى النهارات الطويلة غير الجرى بعيدا عن صاروخ أو قذيفة، وإذا ما ابتعدوا لبعض الوقت راحوا يبحثون عن بعض الماء أو قطعة خبز أو حبة أرز أو حتى أى وهم يتسلون به لينسوا ذاك الجوع والعطش؟
• • •
إنه الشتاء، والطبيعة كما كل الكون تآمرت عليهم فأرسلت بعواصف قادمة من هنا أو هناك وهى فى كلها لا تحمل سوى البرد للأجساد المتعبة والمنهكة والحزينة والعارية أيضا.
• • •
يرسل ذاك الصديق صورة وصلته للتو وهى لما بقى من بيته الذى نزح منه بعد شدة القصف وكثرة الإنذارات، وأصوات أولاده القادمة من مدن بعيدة تناديه هو وأمهم بأن يرحلوا وأن يبقوا أحياء!
• • •
إنه الشتاء، يقول بعضنا والجبال لم تكتسِ البياض حتى نذهب لممارسة هوايتنا فى التزلج، ويقول آخرون فى مدننا أيضا، والبرد لم يشتد لنخرج فى رحلة برية فى الصحراء نلعب ونمرح بين التلال وبعض الجبال الصغيرة.. وأصوات التذمر ترتفع حتى تطغى على كل صوت آخر فلا نسمع إلا كثيرا من «النق» على أن الشتاء لم يأتِ بعد وإننا نعانى لأننا لن نتزلج هذا العام!
• • •
إنه الشتاء، وأطفال غزة ينتفضون تحت زخات المطر المتجمدة فى خيم غرقت فى بحار من الماء، وعندما يفرون بعيدا عنها ليس أمامهم سوى مزيد من المستنقعات وسط عتمة ليل غزة دون كهرباء ولا أى مظهر من مظاهر الحياة.
• • •
إنه الشتاء، وبعضنا يرحل إلى أوروبا للعيش فى أجواء الهواء المثلج بمعطف دافئ، فيما أهل غزة بل أهلنا يبحثون بين الركام وتحت الأنقاض عن بقايا برواز لصورة أو لوحة أو حتى حطام خزانة ملابس لبعضهم الذين كانوا هناك، ليشعلوها علها تبعث بعض الدفء فيتحلقون حول النار باحثين عن بعض الماء وبضع أكياس من الشاى ليسدوا معدتهم بشىء من الدفء الكاذب!
• • •
إنه الشتاء، وصور الملابس الدافئة والكستناء المشوية تملأ يافطات شوارع المدن القريبة، وهم هناك لا صور لهم سوى بقايا بيت بل بقايا حياة بعض صور وذكريات.
• • •
إنه الشتاء، والحرب لا تزال تنهش فى عظام أهل فلسطين، هى والشتاء وكأن الطبيعة تحالفت للمرة الأولى مع النازيين والدكتاتوريين بل مصاصى الدماء من البشر.. فراح أهل غزة يرحلون وكأنه لم يكفِ النزوح بل اللجوء الأول منذ أكثر من سبعين عاما.
• • •
إنه الشتاء، لا رحمة من البشر ولا السماء ولا الأرض، إلا ربما لو تصورنا أن هطول المطر المثلج رحمة ليوفر قطرة ماء عمل الصهاينة لسنين طويلة على منعها بل منع الفلسطينى والفلسطينية من الاستفادة منها.
• • •
إنه الشتاء لا غطاء لأهل غزة وفلسطين إلا جلدهم، ولا كساء إلا بعض من قطعة قماش يتقاسمونها، ولا ماء سوى كثير من دمع نسائهم، أولئك اللاتى يحملن جثث أطفالهن الصغار لمسارات طويلة وهن يذرفن الدمع بحثا عن حفرة يحمون فيها الجسد الطرى بعيدا عن حقدهم ولا مبالاة الكون أو ضعفه سوى من بعضنا وبعضهم ومسيرات هنا ونداءات هناك.
• • •
إنه الشتاء، وليس لأهلنا فى فلسطين سوى جنوب إفريقيا تمدهم ببعض الأمل فى ليل العرب والكون المعتم، ألا يستحق أحفاد مانديلا أن يخلدهم التاريخ العربى والعالمى لأنهم من تبقى من البشر الحقيقيين الحريصين على إنسانية يعملون كلهم على قتل بعضها الباقى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزة في عز الشتاء غزة في عز الشتاء



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 00:01 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

"لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا"
  مصر اليوم - لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»

GMT 20:44 2021 الأربعاء ,15 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تتعرض للخيانة الزوجية من صديقتها المقربة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon