توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التجويع.. سلاح حرب

  مصر اليوم -

التجويع سلاح حرب

بقلم - خولة مطر

إنه سلاح حرب علنى منذ الحروب العالمية وما قبلها وما بعدها، فليس بجديد أن يستخدم الجوع والعطش كأسلحة بل إن كثيرا من الحروب هى على الماء والغذاء ومصادر الطاقة. فمن لم يمت بالقذيفة أو رصاصة قناص سيموت حتما نتيجة حصار لا يسمح بدخول رغيف خبز ولا قطرة ماء حتى يتحول السكان المدنيون إلى أشباح يسيرون هائمين باحثين عن بقايا طعام.
• • •
قالوا إنها الحرب؛ لا ترحم، وهى الحرب أيضا التى يدفع السكان المدنيون فيها أكبر الأوجاع؛ فمنهم من يقول إنه بيتى ولن أتركه أو هى أرضى ووطنى ولا مكان لى غيرها، يحولونه إلى فريسة يصطادونها إما بالتدمير المباشر أو بألاعيبهم المعتادة عبر التهديد بالقصف والمطالبة بالرحيل إلى ما يسمونه «أماكن آمنة»، وهل هناك أمان مع المتعطشين للدم تنبض كتبهم المدرسية بالكراهية وثقافة الموت، ويرضعون احتقار أبناء الأرض حتى استسهال قتلهم مع ابتسامة عريضة؟!
• • •
فى مخططات الحروب تكون الخطوة الأولى أن يتفقوا على القتل ثم القتل ثم القتل حتى يعتاده البشر فى كل مكان، ثم يبررون ذلك بالخوف من الآخر ثم يكثرون من الخطابات والاستنكار ولوم الضحية على أنه هو سبب قتل نفسه! نعم وكأن الفلسطينية والفلسطينى وسكان غزة هم من يتسببون فى موت عيالهم وهدم بيوتهم.. ثم الخطوة بعدها هى الاستنكار وخطابات الشفقة البليدة والتبرير بأنهم لا يريدون موتهم و(لكنهم لا يعرفون سوى الموت)، ألم يتهموا الفلسطينيين واللبنانيين وكل المقاومين بأنهم يتعلمون ثقافة الموت، وهو الأمر الذى لا يتورع كثير من العرب على تكراره ولا هم يستحون!
• • •
ثم الخطوة التى تليها هى تبريرات لا تنطلى إلا على السذج والجهلة أو من لا يزال برغبة أو دونها يحاول تصديق الخطاب المعلن. هنا يبدأ مسلسل سلال الإغاثة، كيس طحين وعلبة من التونة وكيس من المكرونة وزجاجة زيت وكثير من الذل والإهانات. هو المشهد ذاته حين يستمر التجويع ثم التجويع حتى يتحول المحاصرات والمحاصرون من الأبرياء إلى جياع يبحثون عن ما يقيهم من الموت جوعا، أو ما يسكت صراخ أطفالهم أو آهات شيوخهم، أو دمعة حزينة محبوسة فى عيون نسائهم.. فيجرون ويتسابقون لنيل صندوق صغير أو كيس معبأ بكثير من اللامبالاة إن لم يكن الكراهية.
• • •
فى إحدى تلك الحصارات والمجاعات المتنقلة كان الجمع يقف مصطفا بعد إشاعات من هنا وهناك أن إسقاطا سيتم بعد طول انتظار وعناء وتبرير لأخذ موافقة هنا أو تصريح هناك. تسبق كاميراتهم سلال غذائهم المذلة والمصنعة حتى يلتقطوا اللحظة لتبث على مشارق الأرض ومغاربها، وليرى كل الكون كيف أن هناك من «يحاول جاهدا» أن ينقذ الأطفال والنساء والمدنيين من مجاعة خلقها بعضهم أو ساهم فيها. فأمريكا التى تصوت ضد قرار وقف إطلاق النار فى غزة تتحول إلى حمل وداعية سلام وإنسانية فتنشر الأخبار قبل الأفعال «المعونات قادمة»، وكأنها تقول سنسهل موتكم فمن لم يمت بالصاروخ ورصاصة القناص سيموت بالقصف وهو يجرى خلف سراب الصناديق المتساقطة مرة تحت أنظار طائراتهم العسكرية و«المتطورة جدا»، ومرات فى البحر والصيادون رغم كل ذلك يجهدون ليتلقطوا بعضها أو ما يمكن إنقاذه منها ويعيدونه ليطعم فما جائعا بل أفواها من الجياع والعطشى. يصرخ ذاك الطفل الذى يعلمنا العزة وحب الأرض «بدى شوكولاتة» تنزل دمعة ساخنة على خد أمه المنقوش بجروحهم ويقول الطفل «طيب نوتيلا يا ماما؟ ما فى؟» يصعب السؤال ويصبح الجواب أكثر صعوبة.
• • •
تنتهى المسرحية سريعا تتوقف الكاميرات أو ترحل لتقنص صورة أخرى مطلوبة منها، ويبقون هم تحت حصار الموت المتنقل والمتلون يمسكون بعلف الحيوانات ليحولوه إلى وجبة لا تأتى سوى بالمرض أو حتى الموت.. ومع ذلك يردد بعض السذج إنه الكيان الدموى «ماذا يستطيعون فعله؟» وهو أقوى منهم مصدقين أن أمريكا تحاول إقناع نتنياهو بالتخفيف من الموت أو التقليل من الجثث المرصوصة فى قبور جماعية، أو أن فرنسا التى قتلت أكثر من مليون ونصف جزائرى لمجرد أنهم فكروا أن يحرروا بلدهم من قبضة استعمارها، مصدقين أن الاستعمارات كلها تقف مع الشعوب.. كم هى مسرحية سمجة من قبل مخرجين وكتاب سيناريو هوليوديين تصوروا أنهم بالفعل يصنعون سينما حقيقية، فيما هم يرسمون صورا كارتونية لكل البشر ويشوهون شعوبا كما فعلوا مع سكان أمريكا الأصليين وغيرهم.. إنها الكذبة الأمريكية رغم إننا لا نزال فى أوائل شهر مارس ولم نبلغ أبريل بعد..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التجويع سلاح حرب التجويع سلاح حرب



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon