بقلم - خولة مطر
هو كما هو بنفس درجة اللامتوقع أو ما يعرفه البعض بالجنون وربما هو فقط خاص كما هو، لا يشبه أحدا ولا يختلف عن أحد ولا يدعى أنه مثل أحد.. ربما هو فقط ولا شىء غير ذلك، تقبله كما هو أو تبتعد عنه رغم أنك تكون مدركا وعارفا علم اليقين أن له قلبا كالحليب أو هو بلونه وليس بمفعوله على المعدة!
• • •
جاءت مكالمته قبل أسابيع ليخبرها بقدومه إلى تلك المدينة التى كانت هى بها.. لم يقل لها إنه قادم لها أو من أجلها فقط لأن لديه مجموعة من الكتب التى عمل عليها لسنوات وهو قادم للتفاوض على طباعتها مع إحدى دور النشر. عرضت هى المساعدة وتكلم هو كعادته بكثير من المواضيع دون أن تستطيع أن تفهم منه ما يريد أن يقوله أو ربما ما هو الهدف من المكالمة. ضحكت بعد انتهاء المكالمة وعادت ليومها وما تبقى منه من تفاصيل مملة وعادية جدا.
• • •
مضى الوقت أو ربما حتى التاريخ الذى حدده لوصوله إلى مدينتها ولم تنتبه لا هى ولا أجندتها المتوزعة بين الورقية والإلكترونية. وفجأة جاء اتصال آخر منه وبعد كثير من الكلام المتنقل بين عدد من المواضيع عرفت أنه جاء وعاد دون أن تلتقيه أو يلتقيها كيف؟ ولماذا؟ كلها تفاصيل بالنسبة له أما هى التى كان من المفترض أن تكون قد اعتادته كما هو حال العديد من الأصدقاء المقربين منه، وقفت حائرة للمرة الألف من تصرفاته التى لم ولا تستطيع أن تجد لها أى تفسير.
• • •
بعد أيام عرفت من الأصدقاء أنه يمر بظرف من الحزن وربما الإحباط ولذلك فعليها كما هم أن يتفهموه ويستوعبوه وربما الأهم أن يحتضنوه.. لقد فقد الكثير من الأصدقاء والرفاق المقربين فى فترة زمنية سريعة.
• • •
هو الذى لا يشبه إلا زمنه ذاك، مر بفكرها وهى تنتقل من جريدة لأخرى فى ذاك المتحف الذى كرّس مساحته للصحافة العربية القديمة أو للصحف التى بدأت قبل قرن أو أكثر.. ما علاقته هو بالصحافة؟ لا شىء سوى أنه كان يوما الخبر أو ربما لو كانت هناك صحافة حرة لكان هو عنوانها عندما كانت الحركة العمالية فى دولنا العربية وغير العربية هى التى تحرك الشارع وتدافع عن الفقراء والمستضعفين وتعمل على صياغة القوانين التى تحمى العاملين والعاملات وتضع لهم أنظمة للضمان الصحى ونهاية الخدمة وغيرهما.
• • •
لماذا هو من تذكرته وهى تمر وتدقق فى عناوين الصحف والمقالات المكتوبة قبل سنين من الزمن وفى الصحف الأولى التى، وعلى فكرة، فى معظمها تحمل أسماء شبيهة للجديدة منها؟، وكأن الإبداع والفكر لم يستطعا أن ينتجا سوى تكرار ما كان ومضى.
• • •
المتحف كان تحت عنوان بدايات الصحف العربية أراد منظموه ربما أن يذكرونا أننا لا نزال نعيش نفس الأزمات والتعصب والفساد والتمييز والطائفية و...! وربما المؤامرات التى تحاك من خارج الأوطان ولكن معظم أبطالها محليون جدا! نفس الأمراض لا تزال تنهش الأوطان فالأقلام الحرة أو الإعلاميون الحقيقيون لا «الكتبة» تضطر للهرب من مدينة وبلدة إلى أخرى حتى تستقر فى أبعد نقطة عن الاضطهاد والظلم وكبت الحريات وأهمها حرية الرأى والتعبير وكل ذلك لا يزال داء ينهش قلب الأوطان إن لم يكن أدمغتها... كلها كانت تتحدث عن الحقوق، الحق فى العمل والصحة والتعليم والتعبير والمشاركة فى صنع القرارات، رغم أنهم لم يكونوا واضحين فى تفسيرها بهذا الشكل، وحق المرأة والأقليات والطوائف. ألا يبدو الأمر وكأنه الحال هنا والآن؟
• • •
وعلى جانب الصحف والمعرض تماثيل لشخصيات كرست فى وجداننا أو هو وجدان بعضنا حتى لا يتهم المرء بأنه ينتهك حق الغير فى الاختلاف! ومنهم بعض النساء كزينب فواز أول امرأة تكتب الرواية باللغة العربية التى صدرت روايتها فى العام 1899، ومنهم جميل صدقى الزهاوى الذى كان من أوائل من تطرقوا لقضايا تبدو أكثر حساسية الآن من حينها مثل سفور المرأة فقد كتب «زعموا أن فى السفور انثلاما لا يقى عفة الفتاة حجاب» وكان رائدا وتنويريا.. وآخرين وأخريات.
• • •
ما علاقة صديقنا المحبط بمعرض بدايات الصحف العربية فى ذاك المتحف بشمال لبنان؟ هو ربما الإحساس بكثير من الفخر بكل من ساهم فى تنوير وفتح النوافذ فى بلداننا المغلقة، وربما ذاك الشعور العميق بأن ربما هو على حق ليكون يأس فى بلدان لم تغير من نفسها ولم تتقدم كثيرا بدليل عناوين صحفهم ومواضيع المقالات فى جرائدها منذ بداياتها الأولى.. كم نحن بحاجة للتذكير دوما بكل من قدموا كثيرا من التضحيات لنكون نحن اليوم فى مكان أفضل من ما نحن فيه من قلة الحيلة، وانعدام الحقوق وانتشار الفساد، وانحطاط القيم والأخلاق.. كم كان المعرض مفرحا محزنا!