بقلم - خولة مطر
تجمعوا عند النقطة المحددة، والوقت لا يزال أواخر الظهيرة. أتوا من مختلف البلدات والمدن فى هذه الجزيرة الصغيرة التى توسعت وغيرت معالمها مع استمرار قضم البحر. كانوا نساء بأطيافهن كلها وأطفالًا ورجالًا وكبار سن وحتى مقعدين.. حاولوا أن يلملموا أنفسهم وانتظروا بعض الشىء.. وزعوا أعلام فلسطين بينهم واليافطات التى ترفض الإبادة والتطبيع وكل أشكال الاستعمار والهيمنة.. فرشوا علمًا كبيرًا لفلسطين ليمتد فوق رءوسهم وعلى امتداد المسيرة التى بدأت تتحرك رافعة كثيرًا من الشعارات التى يرددها كُثر من أهل البحرين أحيانًا علنًا على وسائل التواصل، ومرات فى جلساتهم، وكثيرًا فى قلوبهم التى تتمزق وجعًا على الإبادة الصهيونية لأهلنا فى فلسطين إلا من بعض «المنافقين» أو المتصهينين فهم كثيرًا ما يكونون جيرانًا لنا أو حتى بعض ما كان يسمى «أصدقاء» حتى جرفهم الطوفان، ولم يترك حتى أثرًا لهم فوق تلك الصور بالأسود والأبيض!
* • •
تحت أشعة شمس ظهيرة الخليج التى حضرت مبكرًا هذا العام، وهذه عبارة نرددها كل سنة «هذا الصيف بكر كثير»! تحركوا معًا رافعين الصوت عاليًا حتى ذاك الطفل الذى حاول أن يتحرك سريعًا ليتقدم وهو رافع علم فلسطين بيد وقبض اليد الأخرى عندما يرددون «النصر للمقاومة والمجد للشهداء».. بقى الحماس فى الهتاف ورفع الصوت تضامنًا مع أهلنا فى غزة بل فى كل فلسطين والأراضى العربية التى تقف وحدها فى مواجهة ذاك المشروع الصهيوأمريكى القادم تارة بآلات الموت والإبادة، ومرات بالوعيد والتهديد، أو حتى التلميح إلى أنه ببعض «المرونة» بالإمكان أن تتحول غزة إلى قبلة سياحية بمنتجعات تشبه تلك التى يروج لها إعلامهم «العبرعربى»! يروجون لمشاريع يعرفون أن معظم -إن لم يكن مجمل الجماهير العربية- لا تصدقها حتى لو كتبت ونطقت باللغة العربية الفصحى وضمت استشهادًا ببعض من نصوص الكتب المقدسة.
* • •
طوفان أهل غزة كشف كل المستور والمعلن والموارب والمختفى بين الكلمات والأحرف أو المدسوس بينها. كل مشاريعهم سيجرفها بحر غزة كما فعل بذاك الميناء العائم الذى صوروه على أنه «إنسانى» ربما لأنهم لا يزالون ينظرون للعرب كلهم بل لكل من هم ليسوا «منهم» على أنهم سذج أو أغبياء أو حتى لا يقرأوا، كما قالت الشهيرة جولدا فى مذكراتها التى نحن جميعًا بحاجة إلى قراءتها مرة ومرات، بل حفظها لنعرف أن أهل غزة هم من قرأوا وفهموا واستوعبوا ثم خططوا وقاموا بطوفانهم الذى يجابه بأكثر المعدات «ذكاء» وفتكًا وإبادة، لكنه لا يزال يبهر الأعداء أكثر من المقربين الجالسين فى جحورهم يحسبون الحسبة لليوم الآخر، أى ما بعد الطوفان، مدركين أنهم لن يكونوا من الناجين على سفينة نوح ولا حتى على ظهر موجة!
* • •
عادت صورتهم إلى المقدمة، هم رافعو الصوت عاليًا حتى تسمع السماء السابعة، وكأنهم يقولون لملائكة غزة نحن معكم بقلوبنا، وهو أضعف الإيمان حتمًا، لكننا فى كل صباح ومساء لا نمل ولا نتعب من متابعة صوركم وأخباركم وصوت وجعكم يدوى فى شوارعنا وأحيائنا بل فى زوايا بيوتنا، ونذرف كثيرًا من الدمع ونلملم كل ما نملك من قوة إيمانا بكم لنقول «أنكم لمنتصرون»، لأنكم على حق ولأنها أرضكم ولأنهم مغتصبون متعطشون للدم النقى؛ دمكم الذى يسقى أرض فلسطين وكل شبر من الأرض العربية بل كل شبر من كل هذا الكون بكثير من القوة والحب والعزم كما يردد ذاك «النصر أو الاستشهاد».
* • •
كلما تعب أحدهم وهو أو هى يخطون خطواتهم فى تلك المسيرة، كلما تحرك بعضهم لبث العزيمة والإرادة قائلين: «إنهم فى غزة وفلسطين ولبنان وكل الأرض المنتفضة بالطوفان يقدمون حياتهم بل كل ما بنوه بالحفر فى الصخر»، فيدب النشاط مرة ومرات ويمضى الجمع فى مسيرته وكُثر من المارين من بعيد ينظرون من خلف زجاج نوافذ عرباتهم، ربما خجلًا أو ربما خوفًا أو ربما اعتزازًا أو حتى يرفعوا راية النصر والدمع ملء العيون.