بقلم: خولة مطر
ماذا حدث لنا؟ سؤال يتكرر عند الكثيرين فى مرحلة قد قتلت القيم والمبادئ وحتى المودة والحب الحقيقيين ودفنتهم فى مقابر جماعية. نزعتها كلها من القواميس وزرعت مكانها وصفات حديثه وكلمات منمقة لا رائحة لها ولا طعم سوى أنها تتماشى مع عولمة زائفة، ولا أخلاق ولا احترام حتى الوفاء أصبح «موضة قديمة» أو «دى موديه» كما يفضل البعض فرنجتها وفرنجة كل أيامنا ليقبلنا العالم..
****
أصبحنا فى خانة الاتهام حتى نثبت أننا «تحدثنا» أى أصبحنا حداثيين نواكب العالم المتحضر! هو نفسه الذى يدفع ثمن باهظا ويعيد حساباته فى التغييرات السريعة التى حصلت لمجتمعاته فى فترة ما بعد الثورة الصناعية ثم العولمة. لم تعد الثقافة مقتصرة على حدود ولم يعد الاستعمار بالدبابة والأسلحة «شديدة الذكاء والدقة!» بل أضيف لذلك سلاح أكثر فتكا وتدميرا هو سلاح استعمار العقل واختراق كل القيم والمبادئ واستبدالها بنمط من الأنانية والمصالح والزيف الذى يزين بصفات من الجمال والجاذبية.. وهذه ليست من تبعات نظرية المؤامرة بل هى تهمة للعرب، لنا نحن قبل الآخرين كما تقول أم كلثوم «العيب فينا وفى حبايبنا» هى تحدثت عن أجمل ما فى الكون الحب وهنا نستخدمها لأقبح ما فى الكون اليوم..
***
يتناول الجميع تلك الصفات كما يتحسرون على الماضى الجميل أو كما يتفرجون على أفلام الأبيض والأسود ليرددوا: «كم كانت تلك مرحلة جميلة وصافية» كما السماء فى يوم ربيعى مشرق. ثم ينتقلون لما هم فيه، فى كل لحظة يتخلون عن قيمة من القيم ويخففون حملهم التراثى ويلبسون اللاقيم ويرددون هكذا تستطيع العيش أو يبررون أنه زمن البقاء للأقوى وليس البقاء للأكثر طيبة ومحبة وعطاء.. حتى مفهوم العطاء وضع فى قوائم المقايضة ما هو المقابل يا أخى؟! يردد هو بنظرة التاجر «الشاطر» فى مفهومهم «الخبيث» والمتدنى فى الأخلاق فى مفهوم ذاك الجيل القديم الذى انقرض تدريجيا أو تقوقع على نفسه حتى حبسها فى دائرة ضيقة جدا، تضيق شيئا فشيئا حتى لا يبقى سوى الفرد وذكرياته وبعض الأمل فى نهاية أكثر كرامة من ذل الحاضر.
***
لا تعتبوا على إن جاملتهم ــ يقول بعضهم ــ فلا أمل لى فى الترقى الوظيفى أو الانخراط المجتمعى فى شريحة «النخبة» أو حتى احترام البعض لى إلا أن أسير فى ذات الدرب الذى يمضى فيه الجميع كالقطعان دون تفكير فى بعض الوقت وبكثير من التخطيط والحنكة ومعرفة «من أين تؤكل الكتف» فى كثير من الأوقات. يجرون فى الحياة كالوحوش البرية بحثا عن فريسة أو فرصة وفى طريقهم تسقط الضحايا وتداس تحت الأقدام وأحيانا تتحول إلى فريسة للقطيع! كأن الحياة لا نهاية لها، هم يسرقون اللحظات ويتصورون أنهم قادرون على شراء كل شىء.. كل شىء حتى الاستدامة اللامتناهية وإطالة العمر.. يقهرون السن والفقر والجهل وكل المعضلات بكثير من المال والعلاقات مع صانعى القرارات والمتحكمين فى العباد وفى الثقافة الجديدة، المتحدثين بلغة لا يفهمها إلا من انضم لنفس ذاك القطيع أو لنُسَمِّها ــ تخفيفا لوقعها على السامع ــ بالقبيلة الجديدة أو الطبقة الحداثية. يتشابهون فى كل موقع، يتوحدون على مساعدة بعضهم فى تبرير كثير من تصرفاتهم ونمط الحياة التى يعيشون. يسقط أمامهم الضعيف فيضحكون حد القهقهة على غبائه أو غبائها لأنهم لا يزالون «طيبون» وهى حقيق كلمة وصفة عفى عليها الزمن.
***
يتساءلون: «ماذا تريد؟ ولماذا تمسك السلم بالعرض» ثم ينصحونك بشفقة: «مشى حالك». وتبقى وحيدا يسقط أمامك حتى أكثرهم قربة. لا تكترث للأعداء فأنت كفيل بهم بل تخشى الأصدقاء المتلونين، الباحثين عن الشهرة والرفاهية المصطنعة مثفقى الصالونات ومبدعى تلميع القبح وتعليبه فى علبة من القطيفة..
***
يخرج بعضهم من دائرته الضيقة وهو يبحث عن وجوه كان متصورا بأنها لا يمكن أن تتلوث على الرغم من سحابة الدخان الملوث التى يتصورها البعض سحابة صيف، يرحبون به مطلقين عليه «دونكيشوت» أليس هو من يحارب الطواحين، أليست هى من تقف وحيدة أمام جحافل من المنتقدين، الساخرين، الذين يستصغرونها مرة لأنها لا تزال «متحجرة» ومرات لأنها امرأة من ذاك الزمن الآخر فيما النساء اليوم يتحلون بالسليكون والبوتكس وكثير من المساحيق حتى اختفت معالمهن وأصبحن هن متشابهات حد صعوبة التفرقة بينهن..
كتب ذاك العملاق قبل رحيله «ماذا حدث للمصريين» كان على جلال أمين أن يلحق ذاك الكتاب بآخر يحمل عنوان «ماذا حدث للعرب» أو «ماذا حدث للبشرية والإنسانية»؟