توقيت القاهرة المحلي 09:04:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ربما وطن، ربما حقيبة سفر

  مصر اليوم -

ربما وطن، ربما حقيبة سفر

بقلم: خولة مطر

بعضها قد يختفى عند حافة الذاكرة ربما بإرادة صاحبه أو باللاوعى لديه أو لديها، من قال إن الأيام تنسيك جراحك؟ ربما بعضهم لا يتوقف عندها يقذفها بعيدا كما تبعد حبة المطر عن معطفك. وآخرون لا يمر يوم دون أن يتذكروها رغم محاولاتهم المستميتة لنسيانها أو رميها فى الجزء المظلم من الدماغ.. تكثر الجراح فى زمن النفاق، تغوص فى أعماق باطن الجسد وأحشائه، تتوغل تدريجيا لتنقض على أحشائه أو أجزاء الجسد الأكثر ضعفا أليست الأسماك الكبيرة تأكل الصغيرة أو أليس البقاء للأقوى. حتى فى أعضاء الجسد هى الأخرى كذلك تعيش معنا كل سقوطنا وانحطاطنا وربما نرجسيتنا فى الكثير من الأحيان وبعض حسرتنا وحزننا على ما كان وأصبح..
***
والجراح ليست كلها مرتبطة بعلاقة كانت أو حب لم يكتمل أو انقضت عليه أفكار المجتمع وثقافة إما جاهلية أو استهلاكية بحتة عندما تحولت حتى العلاقات والصداقات العميقة إلى شىء من العرض والطلب و«شيلنى واشيلك».. لا لا ليست الحياة اليوم كلها قاتمة بهذا التصور، طبعا ليست كلها هكذا ولكن أكثرها حتما لا يبعد كثيرا عن تلك الصور المتكررة لأشكال متنوعة من النفاق العام..
***
بعضهم ينافق بعضهم لمصلحة ما أو حتى للبقاء فى وظيفة أو علاقة عائلية أو حتى حب.. ذاك الذى تزوجها ليرتقى فى وظيفته عبر أكتاف والدها وما إن حصل على مراده ما كان منه إلا أن رمى الزوجة والأولاد وهى أيضا تلك التى تبحث عن حياة تشبه ما تبثه المحطات التلفزيونية المتخصصة فى الطبقة الأرستقراطية أو «محدثى النعمة» وهم كثر.. كلهم، بل كلنا نتشبه بهم حتى اصطف البعض لساعات ليقتنوا حذاء الكرداشين بسعر يضاهى ثلاثة أضعاف سعره الحقيقى لكونه مصنعا فى تلك الورشات المظلمة لعمالة تنهكها العتمة ويأكل جسدها الفقر ولا خيار أمامها سوى المضى كل يوم فى ساعات الصباح الأولى لتلك الورشة وتمر الساعات الطويلة وهى أو هو يقومون بتصنيع كل البضائع التى تتحول إلى ماركات عالمية فيتحولون هم فجأة إلى متفرجين على تلك التى بعرقهم أصبحت موضة حديثة..
***
هو الآخر نفاق اجتماعى عندما يتحول بعضهم لفعل الخير والتبرع للاجئين وخاصة السوريين وهم أو هن يصرفن فى اليوم على ملابس وشنط ومواد استهلاكية ما يمكن أن يطعم كثيرا من الأسر لمدة شهر سواء فى سوريا المنكوبة أو فى كل البقاع العربية التى تئن من الجوع حتى خرج أبناؤها ليحرقوا جنسياتهم وأوراقهم الثبوتية تعبيرا على أنه لا يشرفهم أن ينتموا لوطن لا يحترم البسطاء من ناسه.. لا نستطيع أن نتحدث عن المواطنة فهى بعيدة عنا وتبدو كلما أكثروا منها فى طبخات الصحافة والإعلام اليومى، ما لها إلا أن تفسد اللحظات المتبقية من اليوم لنا، لأن كل أيامنا لهم، نعمل من أجلهم، نبنى لهم، نصنع لهم، نمارس النفاق اليومى لنبقى بالقرب منهم فلا تنقطع لقمة العيش المغمسة بالأوجاع والذل..
***
لا كرامة لنبى فى وطنه قالوا، واليوم لا كرامة لمواطن عربى على أرض لم يعد يعرفها رغم أنها كانت عشقه أيام ما كان الوطن ليس حقيبة! أما الآن فليت درويش يعود ليعرف أن الأوطان لم تعد سوى حقائب سفر من إنتاج الصين واستهلاك كل العالم..
***
يحمل الكثيرون وخاصة من الشباب حقائبهم وبعض الصور والذكريات التى تعبق بها رئتهم حتى رائحة زهرة البرتقال فى الموسم والزعتر عند باب المنزل وربطة النعناع التى نعطر بها كوب الشاى المتبقى لنا.. فلا شراب الورد ولا التوت ولا المشروبات الحديثة التى تساهم فى تنظيف الجسد من المخلفات يعرفها الكثيرون أو سمعوا بها.. بل إن بعضهم يتصور أن الكابتشينو هو قمر آخر لم يمر بسمائهم بل بقى عند الطليان الذين العتب كله عليهم كما يقول الشوام!
***
أصبح من المفيد أن يضيف وزراء التربية والتعليم، إذا وجدوا وقتا بين الجرى لمحاباة الوزير والرئيس والأمير، عليهم أن يضيفوا مادة أساسية لمستقبل أجيالنا القادمة فبدونها لا يمكن لهم أن يضعوا الخبز على موائدهم ألا وهو النفاق الذى دفع بالكثيرين إلى ركوب الموج بحثا عن شىء من الكرامة..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ربما وطن، ربما حقيبة سفر ربما وطن، ربما حقيبة سفر



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon