بقلم: خولة مطر
ربما هل هلاله ليكون فسحة ما بين وبين.
أو هو فتح كوة فى باب كان يبدو لكثيرين وكأنه قد أغلق إلى الأبد.
مع هلاله عرف الكثيرون أن البقاء بالبيت ليس دائما كارثة، وما لم يستطع الفيروس أن يقنعهم به استطاع شهر رمضان أن يقوم بذلك ربما... هل لأنه غير نمط كان قد تحول إلى روتين قاتل لمدة شهر أو أكثر حسب أى مدينة؟ أم لأنه خلق حركة فى البحيرة التى بدأت تركد بعض الشىء و«زهق» الكثيرون من مشاهدة نتفلكس أو لعب الورق أو الطبخ والأكل المستمر، وأسقط فى يد الجميع «ما الذى نستطيع أن نقوم به فى ظل الحجر المنزلى»؟ دخل شهر جديد بملامح لا تشبه سابقاته من الأشهر، فتغيرت الأجواء وراحت كل وسائل التواصل تعيد تكرار تلك الأغانى القديمة التى ارتبطت به، أو حتى ما استجد من محاولة لتحديث التراث والتماشى مع «الهشك بشك» والموسيقى الصاخبة والكلمات التى لا يعرفها كثيرون ممن هم أكبر من الأربعين عاما..
***
تنافست المحطات لسرقة المشاهدين للمسلسلات التى تقدمها، وهى كثيرة كثيرة، وتنفس الكثيرون الصعداء... فقد يخف صراخ برامج «التوك شو» ونرتاح من هذا وذاك، رغم أن بعضهم رفض المغادرة فغير بعض جلده وعاد ليسرق تلك المساحة منغصا على الصائمين مساءاتهم الرطبة بجو ربيعى لا يعرفه الملتزمون بمنازلهم سوى من خلف النوافذ ومع نشرات الأحوال الجوية.. زخات المطر لم تبخل على الهلال فى أول أيامه لتعلن فسحة بين مزدوجين..
***
كثرت إعلانات الأكل كعادة الجميع فى هذا الشهر ولكنه يهل هذا العام وقد سبقه شهران من الاجترار الذى لم يتوقف ووصفات الطبخات على الانستجرام. ولم تختف طبعا «الشحادة» المعتادة من قبل الجمعيات الخيرية المتربعة على العرش.. أصيب الكثيرون بدوامة متلازمة التناقضات على شاشات العرب.. امرأة تقول بأنها لن تستطيع أن تصنع الفتوش لعائلتها لأنه يكلف أكثر من 20 دولارا والحد الأدنى للأجور هو 150 دولارا، وأخرى تغرى الصائمين بأصناف من هنا وهناك.. تلك المرأة تتخلى عن طبق رئيسى على مائدة الإفطار وأخرى تصور مطبخا فخما ومائدة ملوكية اصطفت عليها أطباق لا يحلم بها جياع العالم.. والمحزن أن كثيرا منها سينتهى فى سلة القمامة..
***
وإذا كان سعر الخضار الذى يزرع فى أرضنا هكذا فما بالك بالمواد الأخرى التى تستورد بأجمعها، فبعض بلداننا حولت مزارعها إلى مجمعات سكنية، فقطعت الشجر من جذوره، وأغلقت المصانع بالشمع الأحمر وتحولت إلى دول «تأكل مما لا تزرع، وتلبس مما لا تصنع» كما قال جبران وأكمل، فويل لأمة..
***
كان ذاك المدرب المتحمس يردد على مجموعة من نساء الجنوب اللبنانى «عندما تغزوكم العولمة ستباع لكم ربطة الزعتر بثلاثة دولارات بينما كانت تنمو عند أبوابكم»!!
كل هذا لا يهم، لا يهم أبدا الآن.. كل الهم على السؤال المكرر «ماذا سنطبخ للإفطار» ومن بعده أى مسلسل أو مسلسلات سنحضر، ثم و«ماذا عن السحور».. لم تكتف المحطات بالمسلسلات التى تنوعت بين الساقط والمتوسط والأقل من المتوسط!! ولكن ازدحمت المحطات ببرامج المسابقات وفى مجملها ثقيلة الظل ومصطنعة كما كثير من البرامج الخفيفة.. لا نعرف ما السر فى أنه فى رمضان «يستظرف» معدو البرامج والممثلون والممثلات حتى يسقطوا فى مستنقع السقوط المدوى فى المضمون والتمثيل..
***
الوجوه النسائية مهمة للمسلسلات طبعا فهى تروج لها أكثر من المضمون والحوار والحبكة، دعكم من كل ذلك فالحبسة فى البيت تركت كثيرين بعيدين عن الوجه الحسن، فأنقذتهم المسلسلات بنساء كثيرات لا علاقة لهن بالتمثيل. ألم تتحول المرأة عندنا وعند العالم منذ سنين إلى «سلعة» للتسويق والترويج.. وحتى لا يتذمر الرجال فقد أصابهم الداء أيضا وتوجه لهم المنتجون يبحثون عن كثير من الوسامة أو ربما عند بعضهم «الصياعة»..
***
انحطاط الذوق كفيروس الكورونا، انتشر منذ سنين بين المسلسلات الرمضانية... ففيما كان جميع أفراد العائلة يتحلقون حول التلفزيون بعد الإفطار لمشاهدة مسلسلات تاريخية محبكة كسيرة بعض الشخصيات التاريخية المؤثرة، أو التغريبة الفلسطينية، أو «رأفت الهجان»، أو كل ما كتبه المبدع أسامة أنور عكاشة، أو حتى مسلسلات الحب والرومانسية الناعمة كملمس الحرير، كل ذلك تبخر وتحول إلى حوارات من كلام أقل ما يقال عنه إنه بذىء، وكثير من القتل والدم و«المطاوى» والخيانات وضرب الزوجات وكل نساء العائلة من قبل رجال متسلطين لكان «سى السيد» لعنهم لو خرج من قبره وتبرأ هو والعبقرى نجيب محفوظ من فهمهم لدور الرجل فى مجتمعات منغلقة..
رغم كل ذلك إلا أن قد يكون رمضان فسحة ما بين حبستين!!