بقلم: خولة مطر
السم أقوى فى الكلمة منه فى ذاك السائل أو الدخان الذى ملأ فضاء المدن المزدحمة.. هناك حملة شاسعة تحولت هى الأخرى إلى شكل من أشكال لعب الترويج التجارية.. أو هوس التخلص من السموم فى الجسم بحكم أن كل ما نأكله ونستنشقه ونشربه يحمل كميات من السموم التى تأتى بالعديد من الأمراض أو تتسبب حتى فى أشكال مختلفة من الأوجاع والتشوهات حتى النفسية منها!!!
***
تحولت تلك الجملة الشهيرة «لتخليص جسمك من السموم» شعارا على منتجات متنوعة من العصائر والمأكولات إلى مواد التجميل والمواد المرطبة للجسم وغيرها.. الكل يعمل على تخليص جسمه من سموم هى نتاج حتمى عندما يصبح الربح هو الهدف الأول لجميع الصناعيين وغيرهم وعندما تتحمل دول وشعوب غير صناعية آثار التكلفة الباهظة لما تقوم به ما يسمى بالدول الكبرى.. فمعظم التلوث الذى تعيشه الشعوب الفقيرة فى جنوب الأرض هو نتاج تلك المتطورة والصناعية فى شماله..
***
وكثرت المصحات التى هى الأخرى تروج لقدرتها الكاملة على تخليص البشر من تراكمات كل تلك الملوثات فى فترة زمنية محدودة ولكن بتكلفة باهظة جدا لتصبح هى الأخرى حكرا على طبقة بعينها!! وأصبح تخلص الأجسام من السموم فائدة جديدة لفوائد السفر المتعددة فهناك سفر للراحة وآخر للصحة والتطبب ومرة لأخذ الأطفال لدزنى ومرة للشواطئ فى الصيف وما بينهم سفر بهدف تخليص الجسم من سموم طعام وماء حتى ما يسمى منه بمياه معدنية ما لبثنا وأن اكتشفنا أنه الآخر ملوث وقد يكون ماء بئر عادى وليس معدنيا أبدا أبدا!!
***
هذه المحاولات المستميتة لتنظيف الجسم من ترسبات من الملوثات والمواد الحافظة... إلخ.. ألا يكون من الأجدى أن تصاحبها عملية من تخليص العقل والروح والنفس من تلوث البشر من البشر؟؟ ألا يجدر أن تكون هناك مراكز متخصصة لكى يغسل المرء روحه من كثرة النفاق والكذب والمؤامرات والمراوغات والغش وغيرها؟؟ ألا يجوز أن يحتاج الإنسان أينما كان فى زمن أصبح فيه الكذب صفة يحمد عليها الفرد لأنه بذلك «فاهم الحياة أكثر» أو أنها «تعرف تاخد ما تريده» أو تحت أى ذرائع وتبريرات؟
***
يكثر الحديث عن الحاجة فى إجازة نهاية الأسبوع للابتعاد عن ضجيج المدن حيث ندين الضوضاء التى نخلقها نحن ولكن ندعى أن سببها التحضر والمدنية وتكثر العربات فى الطرقات بعوادمها القاتلة والازدحام فى الشوارع.. كل هذه عوالم واقعية جدا وبالتأكيد تؤثر على الجهاز العصبى حتى للأكثر قدرة على التكيف أو حتى عند عشاق المدن والضجيج.. ولكن علينا أن نفكر مليا فى عطلة نهاية أسبوع منزوعة من البشر المسببين للتلوث والسموم الروحية والعقلية.. عندما تعيش أيام عملك أو حتى بين رفقة تعايشت بجد مع هذه المرحلة المتطورة من تاريخ البشرية كما يدعون مرحلة توصف بأنها طفرة الذكاء الصناعى والابتكار والتكنولوجيا المتطورة وهى نفسها التى تلازمت مع انحدار فى الأخلاق والقيم والمحبة والوفاء وغيرها من الصفات التى ركنت فى أرفف الكتب أو على جدران المتاحف مع الديناصورات التى انقرضت وكثير من المخلوقات الكونية التى انخفضت أعدادها بسبب البشر.. نفس البشر.
***
شىء ما يدعو للتعمق أكثر فى معنى التخلص من السموم ومفهومها، شىء ما يدعو للتفكير العميق فى الحلقة المفرغة التى تبدأ وتنتهى عند نفس «المشتبه بهم» فهم يصنعون ثم يلوثون ثم يعودون ليطرحوا أدوية للعلاج من آثار التلوث وفى كل مراحل هذه الدائرة هم الرابحون حتما.. هم الناشرون لثقافات غريبة على الكثير من المجتمعات بل على كل البشرية.. هم المستفيدون من خلق الأنفس الضعيفة ومن القضاء على كثير من الصفات التى كانت يوما تعد هى القيم المثلى.. هم أنفسهم من يجدر أن تخصص مصحات للتخلص من السموم التى ينشرونها فى المجتمعات!!!
***
تردد هى السبت والأحد لى أنا، أنا فقط لا أريد أن أرى شخصا أو أن أسمع صوتا عبر الهاتف أو أن أقرأ رسالة على وسائل التواصل مليئة بالكذب أو النفاق أو التملق أو الكراهية وهى صفة أخرى أصبحت ربما ملازمة للمدنية والحضارة كما يفهمها البشر الآن.. بمعنى أن تكون متحضرا هو أن تكون منزوع العواطف والرحمة وأن تحول قلبك إلى حاسبة للمصالح على أساسها توجهه، أى قلبك، ليحب ويكره أو يتملق أو ينافق.. هناك حاجة حقيقية للتخلص من سموم البشر حتما قبل سموم الأطعمة..