بقلم - خولة مطر
«ولكنه طيب»؛ يرددون بعد حوار مطول عما قام به هو أو هى من أعمال لم تضر به هو بل ربما لقطاعات واسعة من البشر أو حتى للوطن الذى تحول فى الكثير من الأحوال إلى «مزرعة» أو «عزبة».. وكأن الطيبة هى المؤهل الأوحد لاختيارهم لمثل هؤلاء المناصب فى دولنا «العتيدة»!
أو أنه / أنها فعلوا ما يفعله كلهم فلماذا نعتب عليه أو عليها؟ شىء ما جعلنا نستسهل إيجاد الأعذار للفاسدين أو الظالمين أو حتى سيئى الإدارة تلك التى يتصور الجميع أن أى أحد يستطيع أن يدير إما بحكم الوراثة فتكون وكأنها جزء من جيناتهم.. بمعنى نورثها كلون العين والشعر والبشرة أو حتى تفاصيل الوجه.. فى كل مناسبة يدور فيها الحديث عن سوء للإدارة وينتهى بالجملة الشهيرة ولكنه «ولد حلال وطيب» لا يستطيع المرء ألا يتذكر حجم الدراسات التى تعمل حول فن الإدارة وكم أنها تخصص فى الجامعات التى تحترم نفسها وهنا علينا أن نضع أكثر من خط تحت «التى تحترم نفسها» وليست الجامعات البوتيكات التى كثرت كالفطريات فى مجتمعاتنا المشوهة لتشوه حاضرها أكثر وتستمر فى التشوية ليصل إلى المستقبل المعتم أصلا! وفى كل تلك المواد والكتب لا مكان لـ «الطيبة» كجزء من شروط المدير/ المديرة ذات الكفاءة!
عندما أصدر الدكتور غازى القصيبى الحاضر دوما كتابه الشهير عن فن الإدارة تساءل البعض ما علاقة ذلك بشاعر وروائى مثله؟ وكان رده هو واضح فى الكثير من المقابلات والأحاديث بأنه يجدنا بعيدون جدا عن فهم أن الإدارة فن بحد ذاتها وعلينا دراستها قبل ممارستها والتعلم والاستفادة من خبرات سابقة.
الإدارة ليست جزءا من الجينات الموروثة ولا حتى تأتى كجزء من المنصب فالوزير والمدير وصاحب المؤسسة أو حتى المدير لفندق أو محل لا يمكن أن يتحلى بصفة الإدارة حتى لو كان على درجة عالية من التعليم وقد توج اسمه أو اسمها بحرف الدال الشهير والمغرى جدا فى مجتمعات مسطحة لا تزال تتمسك بالألقاب من الأمير حتى رئيس «الفراشين»! محزن أن يعرف بعض العرب أزواجهم والمقربين منهم بلقب الدكتور أو الدكتورة فيما تلتقى بأحد البروفيسورات الذين ابتكروا ما يسعد أو يشفى البشرية وهم سعداء بأسمائهم الأولى فقط!
ونحن ندرك أن جزءا من الإدارة يدرس فى المدارس والجامعات والكليات والحياة والجزء الآخر يأتى بالخبرة والممارسة والتعلم من الخطأ فأنا أخطأ لكى أخطأ ومن جملة الأخطاء هذه أتعلم.. فيما يعتقد بعضهم أو بعضهن بأنهم معصومون من الخطأ ربما يعود ذلك لخضوع من حولهم وتقبيلهم الأيادى حتى تصوروا أنهم أنبياء رغم أن حتى الأنبياء قد أخطأوا وأن زمن الأنبياء قد ولى.
لسوء الإدارة دور كبير فيما نحن فيه حتما من سقوط بعد سقوط ومن سيئ إلى أسوأ ومن اقتصاد منهار ووزارات ومؤسسات متهالكة إلى فشل فى التعليم من الابتدائى حتى الجامعات ومن الصحة حتى العمل ومن الصناعة حتى التجارة التى كانت هى جزءا من تراث هذه المنطقة أى أن تاريخها العريق أساسه التجارة والتبادل التجارى فحتى فى هذا فشلنا وأصبح حالنا لا يسر لا عدو ولا حبيب فيما يردد البعض كل ذلك إشاعات مغرضة من الحاقدين على نجاحاتنا المتلاحقة يا أمة ضحكت! كما أنها جزء من المؤامرات الكونية على أوطاننا «المستقرة» المسترخية فى أنهار العسل والخمر المعلب فى عبارات العفة والتدين.
وفيما ارتضى البعض تقبل الواقع كما هو عليه إلا أن الكثيرين يراقبون بخوف ما يحدث من توزيع المناصب الإدارية القيادية كجزء من توزيع الغنائم بعد معارك طواحين الهواء! فقد وافق البعض على اعتبار أنه يعيش فى مزرعة كبيرة ولكنه لا يستطيع أن يسلم مستقبل أجيال قادمة لبعض الهواة الذين لا يملكون ما يؤهلهم للمناصب التى هم فيها سوى اسم هنا وعلاقة قرابة أو صداقة هنا أو كجزء من مكافأة الموالين ومعاقبة المعارضين حتى المقربين منهم جدا فلا مساحة لما بين بين فإما معنا وإلا فأنت مع الشيطان!
ليس من المبالغة القول إن فى ذلك، فى مثل هذه التعيينات اللامسئولة وتوزيع المناصب كغنائم الحرب فى عصر الجاهلية فكل ذلك جريمة بحق الوطن كل الوطن الذى هو ليس ملك لأحد أسألوا التراب وموج البحر والنوارس!
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع