بقلم: خولة مطر
تعرت هى سريعا، رمت بأوراقها بدرجات الأصفر أو ما بينه وبين الأخضر الباهت.. خففت من حملها ووقفت تناطح السماء أو تتطلع إليها وهى تدرك أن بعض الغيم خير وكثيره سيل.. باتت عصافيرها تبحث عن ورقه تلتحف بها من نسمة باردة وزخات مطر خفيفة.. الأشجار تعرف أنها أجمل كلما تنوعت تغيرت وتعرف أن بقاء الحال صعب ويدعو للكسل غير الممتع لا ذاك اللذيذ بعد يوم تعب.
***
تغطت الأرض تحت أقدام الشجرة بتلك، لبست ثوبها الجديد وخلقت جمال لا يعرفه إلا المبدعون فالمارة قد اعتادوه أو ربما لا يشكل لهم هذا الطقس إلا فصل شتاء قد يطول بعض الشىء ويشتاقوا هم لدفء أشعة الشمس التى تمنعها الغيوم الحبلى بالمطر من أن تضيف بعض الدفء إلا أحيانا.
***
تقف الأغصان حضن للعصافير التى خاوتها طويلا حتى لو لم تعد قادرة أن تمنحها عش تضع فيه صغارها أو تحتمى به من أعين الصيادين الذين يعترفون أن صيد العصافير هواية فيما يقول لهم ذاك «استضعفوك فقتلوك ليتهم قتلوا الذئب». كثيرا من عرفوا هذا الطقس رسموه فى لوحات أو مخيلة أو ربما فى قصيدة شعر أو أغنية. هم يتغنون به موسما آخر للعشق رغم أن لا موسم للعشق فكل العصافير تحمله معها فى هجرتها وترحالها.
***
فيما الشجر يتلون يفضل البشر اللون الواحد يكرهون أو يتعبون من التغيير بل بعضهم يردد «الله لا يغير علينا» وكأن فى التحول شىء من الفناء بدلا أن يكون ولادة جديدة. لا يحب البشر أن يعاشروا إلا من يشبههم لا يعرفوا أن يتعايشوا إلا من ضاق طعم اللون الواحد القاتل! يبقون حريصين على ما لديهم حتى عندما يضطروا للرحيل بعيدا بحثا عن حياة أفضل وتبدو أوطانهم ذكرى جميلة يعزلون أنفسهم عن المجتمعات التى يرتحلون لها منطلقين من مبدأ أنها تحمل لهم كل ما هو خير.. يقسمون الخير إلى أقسام فلقمة العيش أو رفاهيته أو تقدير تلك المجتمعات لهم ومنحهم ما لا يحلمون به كثيرا وهو أن يكونوا على نفس الدرجة فى الحقوق والواجبات كما المواطنين الأصليين الذين ولدوا على تلك الأرض البعيدة. يتجمعون فى كانتونات، كلهم يتشابهون فى اللبس والطعام والعادات.. يبقى للرجال فضاءاتهم وللنساء الغسل والطبخ وتربية الأطفال.. هم يخافون أن يقضى التغيير على ما تبقى لهم. يلتصقون بعادات لا تلائم المجتمعات الجديدة بل ينتقدونها وكأنهم يختارون منها ما يشاءون تعجبهم الحرية واحترام الحقوق والأجور وفرص العمل ويكرهون أن نساءها «عاريات» كالأشجار فى موسم خريفهم! ودورها قد تخطى تلك الجدران التى خلقت «لتحميها» من الذئاب البشرية حتى يرقدونها فى شبر من تراب.
***
وماذا عن من تبقى هناك فى الأوطان البعيدة المعجب بكل شىء قادم من العواصم المزينة بتلاوين الحياة المتنوعة؟ ماذا عنهم؟ هم أيضا يختارون من ذاك ما يبقيهم على ما هم عليه. لا يريدون الحريات ولكن يستهلكون كل ما يكتشف ويصنع هناك. لا يريدون حرية تعبيرهم ولا الحق فى الاختيار والاختلاف ولا القانون المستقل الذى يحمى حقوق الفرد والمجتمع وأجهزة الرقابة على الفساد لا على القبل البريئة! يريدون نساء فى فاترينات الوزارات والمراكز ليرددوا ماذا تريدون منا ها هى نساؤنا تتساوى فى المراكز! وأحيانا يرددون نحن أيضا ديمقراطيون جدا عبر صناديق بالية اعتقد البعض أنها أصل الديمقراطية والتعبير الوحيد عنها فيما أجهزة الأمن تطارد المغرد الذى يطرح رأيا آخر أو خطابا لا يتماشى مع الكلام المكرر على التوتر والرافض للآخر بل الذى ينفى وجوده وأحيانا يطالب بطرده من «جنات» الوطن غير مدركين أن المواطنة هى الأخرى من الحقوق التى لا حق لأحد فى أن يغتصبها كما نسائهم..!
***
لا يتعلمون هم من الشجر رغم أنه يسكن على مقربة من بيوتهم وشوارعهم ومراكزهم التجارية الفارهة بل إن بعضهم تحدى الطبيعة وخلق حدائق بداخل تلك المراكز وكأنهم يقولون نحن نقدر بأموالنا المتراكمة أن نأتى بالأمازون إلى الصحراء والقطب المتجمد عند أبوابنا.
ليتنا نعرف أن متعة الشجر فى تلاوينه واختلافاته وكذلك البشر فلا اللون الواحد ولا الرأى الواحد يخلق أوطانا لا تهرب منها العصافير والنوارس.
وقد يهمك أيضًا:
هربوا هم فماذا تبقى لنا؟
ربما وطن، ربما حقيبة سفر