توقيت القاهرة المحلي 19:06:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليتهم كالشجر

  مصر اليوم -

ليتهم كالشجر

بقلم: خولة مطر

تعرت هى سريعا، رمت بأوراقها بدرجات الأصفر أو ما بينه وبين الأخضر الباهت.. خففت من حملها ووقفت تناطح السماء أو تتطلع إليها وهى تدرك أن بعض الغيم خير وكثيره سيل.. باتت عصافيرها تبحث عن ورقه تلتحف بها من نسمة باردة وزخات مطر خفيفة.. الأشجار تعرف أنها أجمل كلما تنوعت تغيرت وتعرف أن بقاء الحال صعب ويدعو للكسل غير الممتع لا ذاك اللذيذ بعد يوم تعب.
***
تغطت الأرض تحت أقدام الشجرة بتلك، لبست ثوبها الجديد وخلقت جمال لا يعرفه إلا المبدعون فالمارة قد اعتادوه أو ربما لا يشكل لهم هذا الطقس إلا فصل شتاء قد يطول بعض الشىء ويشتاقوا هم لدفء أشعة الشمس التى تمنعها الغيوم الحبلى بالمطر من أن تضيف بعض الدفء إلا أحيانا.
***
تقف الأغصان حضن للعصافير التى خاوتها طويلا حتى لو لم تعد قادرة أن تمنحها عش تضع فيه صغارها أو تحتمى به من أعين الصيادين الذين يعترفون أن صيد العصافير هواية فيما يقول لهم ذاك «استضعفوك فقتلوك ليتهم قتلوا الذئب». كثيرا من عرفوا هذا الطقس رسموه فى لوحات أو مخيلة أو ربما فى قصيدة شعر أو أغنية. هم يتغنون به موسما آخر للعشق رغم أن لا موسم للعشق فكل العصافير تحمله معها فى هجرتها وترحالها.
***
فيما الشجر يتلون يفضل البشر اللون الواحد يكرهون أو يتعبون من التغيير بل بعضهم يردد «الله لا يغير علينا» وكأن فى التحول شىء من الفناء بدلا أن يكون ولادة جديدة. لا يحب البشر أن يعاشروا إلا من يشبههم لا يعرفوا أن يتعايشوا إلا من ضاق طعم اللون الواحد القاتل! يبقون حريصين على ما لديهم حتى عندما يضطروا للرحيل بعيدا بحثا عن حياة أفضل وتبدو أوطانهم ذكرى جميلة يعزلون أنفسهم عن المجتمعات التى يرتحلون لها منطلقين من مبدأ أنها تحمل لهم كل ما هو خير.. يقسمون الخير إلى أقسام فلقمة العيش أو رفاهيته أو تقدير تلك المجتمعات لهم ومنحهم ما لا يحلمون به كثيرا وهو أن يكونوا على نفس الدرجة فى الحقوق والواجبات كما المواطنين الأصليين الذين ولدوا على تلك الأرض البعيدة. يتجمعون فى كانتونات، كلهم يتشابهون فى اللبس والطعام والعادات.. يبقى للرجال فضاءاتهم وللنساء الغسل والطبخ وتربية الأطفال.. هم يخافون أن يقضى التغيير على ما تبقى لهم. يلتصقون بعادات لا تلائم المجتمعات الجديدة بل ينتقدونها وكأنهم يختارون منها ما يشاءون تعجبهم الحرية واحترام الحقوق والأجور وفرص العمل ويكرهون أن نساءها «عاريات» كالأشجار فى موسم خريفهم! ودورها قد تخطى تلك الجدران التى خلقت «لتحميها» من الذئاب البشرية حتى يرقدونها فى شبر من تراب.
***
وماذا عن من تبقى هناك فى الأوطان البعيدة المعجب بكل شىء قادم من العواصم المزينة بتلاوين الحياة المتنوعة؟ ماذا عنهم؟ هم أيضا يختارون من ذاك ما يبقيهم على ما هم عليه. لا يريدون الحريات ولكن يستهلكون كل ما يكتشف ويصنع هناك. لا يريدون حرية تعبيرهم ولا الحق فى الاختيار والاختلاف ولا القانون المستقل الذى يحمى حقوق الفرد والمجتمع وأجهزة الرقابة على الفساد لا على القبل البريئة! يريدون نساء فى فاترينات الوزارات والمراكز ليرددوا ماذا تريدون منا ها هى نساؤنا تتساوى فى المراكز! وأحيانا يرددون نحن أيضا ديمقراطيون جدا عبر صناديق بالية اعتقد البعض أنها أصل الديمقراطية والتعبير الوحيد عنها فيما أجهزة الأمن تطارد المغرد الذى يطرح رأيا آخر أو خطابا لا يتماشى مع الكلام المكرر على التوتر والرافض للآخر بل الذى ينفى وجوده وأحيانا يطالب بطرده من «جنات» الوطن غير مدركين أن المواطنة هى الأخرى من الحقوق التى لا حق لأحد فى أن يغتصبها كما نسائهم..!
***
لا يتعلمون هم من الشجر رغم أنه يسكن على مقربة من بيوتهم وشوارعهم ومراكزهم التجارية الفارهة بل إن بعضهم تحدى الطبيعة وخلق حدائق بداخل تلك المراكز وكأنهم يقولون نحن نقدر بأموالنا المتراكمة أن نأتى بالأمازون إلى الصحراء والقطب المتجمد عند أبوابنا.
ليتنا نعرف أن متعة الشجر فى تلاوينه واختلافاته وكذلك البشر فلا اللون الواحد ولا الرأى الواحد يخلق أوطانا لا تهرب منها العصافير والنوارس.

وقد يهمك أيضًا:

هربوا هم فماذا تبقى لنا؟

ربما وطن، ربما حقيبة سفر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليتهم كالشجر ليتهم كالشجر



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon