توقيت القاهرة المحلي 09:08:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ثورة الطبيعة

  مصر اليوم -

ثورة الطبيعة

بقلم - خولة مطر

يعود السؤال بين فواصل المحادثات التى تبدأ روتينية ومعتادة «كيف كنتم تعيشون يا أهل الخليج فى مثل هذا الطقس الحارق؟». وذاك بعد مرور بنشرة أحوال الجو فى بلدان العالم والتى تشبه أوراق نعوة للطبيعة بجبالها وأشجارها وسهولها وأنهارها وبحورها وأسماكها وكل ثروات البشر التى راكمها الإنسان على مر مئات من السنين، كلها؟!، نعم كلها بدأت تسقط ضحية نفس الداء الذى تعقد من أجله المؤتمرات والمنتديات دون جدوى.. إنه تغير المناخ أو ربما هو ثورة الطبيعة على الإنسان؛ فبعد أن ثار الإنسان على «سيده» الإنسان مثله جاء دور الطبيعة لتقول لنفس السادة القائمين على أحوال الكون بأنكم فاسدون على كل الأصعدة وبالعودة لكل الأعراف والقوانين وغيرها.
• • •
تشتعل الغابات فى فرنسا وتجف الأنهر فى بريطانيا وألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية وتطلب الحكومات هناك من مواطنيها ومواطناتها التخفيف أو حتى عدم استخدام مكيفات الهواء؛ لأنهم يستهلكون كل الغاز المخزون لفصل الشتاء القاسى، وكأنها تقول لهم إما الموت بجهنم نار شمس الصيف أو الموت تجمدا تحت جليد رياح الشتاء القارسة.
• • •
ربما «الحق على أوكرانيا» أو الحرب هناك ولكن حتما هناك أمر آخر مرتبط ارتباطا وثيقا وذلك حسب دراسات وبحوث متخصصة من قبل جامعات وإخصائيين، وهو وببساطة شديدة ودون التعثر فى مصطلحات علمية أو التشبث بكلمات مكررة، هو جشع الإنسان المتمثل فى نظم استهلاكيه قاتلة. تذكرت السؤال عن أحوال الصيف فى الخليج «أيام زمان» وأنا أقرأ خبر دعوة رئيس الوزراء الإسبانى بيدرو سانشيز رجال بلاده إلى التخلى عن ربطة العنق للتخفيف من استهلاك الطاقة مما أثار ضجة وحوارات عدة لم يشهدها العالم منذ سنين عديدة أو ربما منذ أن تخلى الإيرانيون ما بعد الثورة عن ربطة العنق!
• • •
ما علاقة ارتفاع الحرارة فى العالم حتى فى تلك التى لم تعرف مثلها من قبل، بربطة العنق والأزياء والموضة؟ ربما لأن كثيرين منا لا يربطون بين الملابس وصناعتها التى أصبحت جزءا أساسيا من الدخل لبعض الدول وبين الاحتباس الحرارى الذى يراه البعض متمثلا فى كثرة استخدام النفط والغاز وغيرهما من مسببات الاحتباس الحرارى، ولا يرى أن صناعة الموضة تساهم فى نفس هذا الداء بل الوباء القاتل للبشرية بشكل بطىء ومخفى أو ربما متخفٍ خلف كثير من صناعة الجمال فى ملابس تعتمد على مواد خام وتستخدم لصناعتها الكثير من المواد الكيمائية التى تساهم حتما فى تلوث البيئة من هواء وأنهار وبحار.. كيف يساهم ذاك الفستان الحامل لبيت أزياء عريق والذى تتجمل به السيدات فى كل الكون وربما حتى «تتفاخر» به لكونه يساهم فى خلق الصورة التى تريدها هى والتى قد تكون ربما الثراء أو ربما الذوق أو ربما التمدن والمدنية وغيرها، وهى فى مجملها شكل من أشكال وأنماط العملية الدعائية للمنتجات الاستهلاكية التى تستخدمها مصانع وشركات عالمية عابرة للحدود والأديان والأعراق والألوان!
• • •
بل إن مخلفاتها أصبحت كارثة بشرية أخرى حيث يؤكد ذاك البرنامج الوثائقى على حجم «القتل» المتعمد أو غير المتعمد للطبيعة والمتمثل فى تجارة الملابس المستعملة، وهى بالطبع تنتهى فى دول جنوبية نامية فيما الدول الصناعية تحمى نفسها من مضار هذه الصناعة والتخلص منها، وبعيدا عن أعين الأجهزة الرقابية التى تتابعها أعين برلماناتهم المنتخبة رغم ضعفها أحيانا وتواطئها أحيانا أخرى..! فالعديد قد وثق كوارث الملابس المستعملة التى تصل إلى السواحل الغربية من أفريقيا؛ حيث يشير ذاك الوثائقى إلى أنهم فى غانا يسمونها «ملابس الرجل الأبيض الميت» التى تصلهم على سفن ضخمة وبشكل يومى وما هى سوى نفايات ملابس تحت مسمى تجارة الملابس المستعملة.. تذكر إحدى الدراسات الحديثة أن صناعة الملابس تساهم فى 10% من الانبعاثات الحرارية العالمية وبهدر 20% من المياه. وتنتهى الكثير من الملابس المستعملة فى مكبات أو محارق تساهم هى الأخرى فى تلوث أكبر للطبيعة ما يؤدى إلى ويساهم فى موت البشر.
• • •
هكذا تحول الإنسان تدريجيا وساهم فى ذلك انتشار ثقافة الاستهلاك القاتلة إلى استغلال الطبيعة بكل ثرواتها بشكل خاطئ ومكثف دون إدراك أو أحيانا بمعرفة ومع سبق الإصرار والترصد بالقضاء على الطبيعة ومصادر الحياة للبشر والكائنات الحية. ولذلك فالإجابة المتكررة حول السؤال «كيف تحملت فى الخليج هذه الدرجات المرتفعة من الحرارة؟ هو أن الخليج كما كل بلدان العالم لم يعش هكذا أجواء كما هو حال فرنسا وإسبانيا وسويسرا وغيرها من الدول الأوروبية التى كانت ملاذا للكثيرين من أبناء وبنات الخليج بعيدا عن ذاك الطقس القاتل!! فإلى أين المفر بعد الآن وأوروبا تحترق؟!..

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثورة الطبيعة ثورة الطبيعة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon