توقيت القاهرة المحلي 14:27:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لبنان ليس بخير

  مصر اليوم -

لبنان ليس بخير

بقلم: خولة مطر

توكل الأربعة على ما تبقى لهم من بنزين متوفر وقرروا أن يزوروا ضيعتهم فى الشمال اللبنانى وربما للمرة الأخيرة قبل أن تدخل البلد فى العتمة الكاملة!! ككل لبنانى ولبنانية تحاول الأغلبية أن تثور وتعيش معا وهى معادلة تبقى صعبة ولكن من يتقن فن العيش كاللبنانى؟؟ هم من عاشوا سنوات حرب أهلية طاحنة وذاقوا كل أهوالها وحتى عندما تكالب الجميع عليهم بشكل مباشر أو غير مباشر بقوا «متأملين خير».. وما أن خرجوا ليتحسسوا ما تبقى من معالم بلدهم التى كانت.. بعد ما يقرب من العشرين عام لم يجد ذاك الطفل أى أثر لسوق الطويلة ولا سرسق إلا حجارة على حجارة.. مشاريع مرت منذ ذاك اليوم حتى 2020.. مشاريع عديدة لا يلتقى لبنانيان اليوم إلا ويختلفون عليها وبعدها لم تتوقف الحروب الخارجية والداخلية تطل برأسها من السماء والبحر وترسل بقنابلها وصواريخها وحربها الإعلامية.. تدك البيوت بل تمحى أحياء بأكملها.. ولكنها لم تستمر فى معظمها لفترات طويلة.. وفى كل مرة يقوم اللبنانى واللبنانية ينفضون غبار القصف ويغسلون بقع الدم العالقة على الأرض وفى الوجدان ويعودون للحياة التى يريدونها لبلد مثل لبنان.. بلدهم.
***
الحديث فى السيارة المنطلقة من بيروت إلى الشمال لم يكن سوى حول هذه الحرب الحالية الجديدة، حرب العتمة التى لم يشهدوا لها مثيلا.. لن تنفع الشموع رغم أنها نفذت من الأسواق أو ربما أخفاها تجار «الحروب» وأعادوها للأرفف بأسعار تحمل أصفارا تصعب قراتها.. ينام اللبنانى على سعر للدولار ويستيقظ على سعر آخر حتى أصبح السؤال قبل «صباح الخير كيفكم اليوم» هو «كم صار الدولار اليوم» أو «صحيح وصل عشرة آلاف»؟
***
المشوار طال على غير المتوقع نتيجة «عجقة السير» التى اختفت منذ أن حلت العتمة ولكنها عادت فلم يعد للبنانى سوى تكرار «البحر من أمامه وانقطاع الكهرباء والطقس الحار من خلفه».. يرحل إلى الشمال بحثا عن شاطئ بمعادلة صعبة جدا وهى أن يجد شاطئا لم يتلوث بعد ولم تصله أيادى المتربصين لتسويره وتحويله إلى منتجع تتغير فيه الأسعار فى بورصة الدولار مقابل الليرة!!
***
الحديث لا يمكن إلا أن يكون عن قتل اللبنانى جوعا وليس برصاصة قناص أو صاروخ إسرائيلى (قانا وأخواتها) كما كان حاله فى حروبه المتعددة.. كثرة أخبار وصور المنتحرين فى وضح النهار لأنهم لم يعدوا قادرين على تحمل أن يروا أطفالهم يتشوقون للمنقوشة فى الصباح والتى دخلت هى الأخرى فى بورصة المضاربات فمن الألف ليرة أصبحت أربعة آلاف والإشاعات تطالها بأنها ستصبح من الرفاهية!!! رحلت اللحمة فى بلد الكبة النية والهبرة واختفى الشيش طاووق من موائد اللبنانيين وأصبحت فواكه الصيف كالمشمش والكرز للفرجة فى فاترينات محلات الفاكهة الملونة والخضارين الذين هم الآخرون بدأوا يحسبون أيامهم الأخيرة.. أما الفستق فى بلد الفستق الحلبى فقد استبدل بالكاجو المستورد الأرخص كلفة.. البوظة العربية بالقشطة لم تعد تغطى بالفستق فهو الآخر أصبح من الكماليات.. والزعتر الذى ينبت عند كل باب فى قرى لبنان شح أو طالته نار الدولار فى مقابل الليرة!! أما مكوناته الأخرى مثل الصماغ والسمسم لعمل المنقوشة الساخنة الشهية فهذه قد اختفت من المطاحن.. المنقوشة والبرغل بالبندورة أكلات يسميها كثير من اللبنانيين بأكلة الفقراء كالفول والكشرى فى مصر.. لم يعد للفقراء لا أكل ولا حتى قبر فى لبنان.. صديقتى التى تعمل بكل ما أوتيت من ابتكار لتوفير وجبات لعائلتها دون أن تحسسهم بوطئة الأوضاع وغلاء المواد الغذائية، تصاب بالهلع عندما يقول لها «الدكنجى» أن البرغل شح هو الآخر والمتوفر منه مستورد!!!
***
حاول الأربعة أن يغيروا دفة الحديث إلى مواضيع عدة ليس بحثا عن أمل بل محاولة للبقاء على ذاك التراث اللبنانى العريق وهو حب الحياة.. أحدهم أو أكبرهم سنا يردد مع نفسه وهم فى طريق العودة بعد يوم طويل وبيروت عروسهم تبدو من بعيد غارقة فى ظلمة حالكة «يا عمى والله الحياة حلوة» ويحبس دمعة فهو العاشق لأرضه، هو الذى ترك تلك الجنسية الخمسة نجوم والوظيفة «البرستيج» والمنزل المريح فى العاصمة البعيدة ليعود يبكى على أطلال بيت «العائلة» المبنى من حجر الجبل.. لازالت جدرانه وشجرة التين وبئر الماء هناك يخزنون صوره وإخوته وأمه عند باب منزلهم فى زمن الكرامة!!! ها هو الآن يعود من البكاء على أطلال ضيعته وبيت طفولته إلى مدينته الساكنة فى صمت لم تعرفه حتى فى سنوات الحرب الأهلية والمطاعم والمتاجر أوصدت أبوابها أو فى حرب مع الدولار والزمن.. استقبلتهم بيروت دون أن ترفع عينيها لتنظر لهم كعادتها مرحبة بعودتهم لحضنها.. بيروت اليوم لا تشبهها إلا غرناطة.. كان اللبنانيون أثناء الحرب يرددون على أصدقائهم العرب وغيرهم «نحن بخير طمنونا عنكم!» هم وبيروت وكل لبنان ليسوا بخير لا تتركوا لبنان وحيدا..

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان ليس بخير لبنان ليس بخير



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon