توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تعصب اللا متعصب!!

  مصر اليوم -

تعصب اللا متعصب

بقلم: خولة مطر

أكثر أنواع الكراهية هى أن تكره نفسك وعائلتك وربما طائفتك فتكون طائفيا وأنت «تناضل» ضد الطائفية... أن تكون دكتاتورا مستبدا فى الرأى وأنت مع «حرية التعبير» أن تكون قابلا لكل البشر، كلهم على اختلاف ألوانهم وأشكالهم وأديانهم ومعتقداتهم ولكنك لا تطيق فقد الشيوعيين، الملحدين (هذا إذا عرفت أن هناك فرقا!» والمسيحيين والمسلمين والروم والموارنة ولا تنسى السنة أو الشيعة حسب الطريقة التى تصلى بها، كل ذلك رغم أنك لا دينى ولا طائفى ولا هم يحزنون!
***
فى جلسة بدأت ناعمة كتلك النسمة التى شاركت المجموعة الصغيرة (لا بد من التباعد الاجتماعى) فى تلك البلكونة المتزينة بالأشجار والورود... لم تستمر طويلا حتى دخل الجميع فى فتح جرحهم أو ربما جراحهم وهى متشابهة على تنوع تفاصيلها... التشرد، الهجرة، القمع، انتفاء الكرامة، الظلم، الألم لفقدان الكثير من الأحبة، تلك الذكريات التى رسموها بتجاعيد أيامهم والتى بقيت وحيدة وربما جاءتها قذيفة وقتلتها وهى واقفة.. وبما أننا لا نتفق حتى مع أنفسنا، فقد راح الجميع «يدعبس» فى بقع الاختلاف... لا حل إلا فى.. يرد الآخر بصوت من يملك كل الحقائق التاريخية والحاضرة والقارئ الدقيق للمستقبل، «أبدا هذا ليس حلا بل انهزاما أو تنازلا» يفتح ذاك عينيه من تحت نظارته وبهدوء يطرح سؤالا بدا منطقيا وقادرا أن يحول الحديث إلى مساحات قد تعمر لا تهدم.. ولكن لا حياة هنا فالمدافعون عن تعدد الآراء لا يستطيعون إلا أن يحتكروا الفكرة بل الحقيقة ولا يتوقفون هنا بل يسردون قائمة من الصفات على الآخرين. أما الآخرون فهم فقط من حاول أن يعبر عن رأى يشبه الأول ولكن يختلف بعض الشىء فى التفاصيل التى قد تكون أكثر دقة وأقرب للواقع..
***
هكذا هى تجمعات نساء ورجال الفكر المتقارب! فى كثير من مجموعاتنا التى تعيش شيئا من العبث إن لم يكن كله.. هذه البلكونة ليست فى مدينة واحدة بل فى كل المدن وإن لم تكن شرفة فهى حديقة أو غرفة معيشة دافئة بحضور يبدو فى أول السهرة متجانسا حد التوحد وما يلبث أن يتحول ذاك الفضاء الناعم إلى شكل من أشكال الحوارات التلفزيونية التى تهوى الصراخ والنعيق وضرب الآخر بالحرف أو حتى الكرسى!!
***
هم لا يشاهدون هذه البرامج بل يعتبرونها مسيئة إلى مجتمعاتهم ومثقفيهم ومتعلميهم، بل هى تخلق صورا نمطية وهى فى معظمها لرجال عرب. منهم لو وقفوا أمام المرآة يوما وتمعنوا ربما أدركوا أنهم، بل إننا، بل كلنا «ذاك الرجل».. هذه استراحتنا الأسبوعية يقول هو، هنا نسترخى فى أحضان ذكرياتنا الجميلة، هنا نعيش خارج جلدنا الحالى وبعيدا عن جروحنا التى نحملها كصليبنا كل يوم ونمضى بها إلى العمل والمطعم وصالة الرياضة وحتى الأرصفة المكتظة رغم إعلانات ضرورة التباعد الاجتماعى..
***
ربما هو الوجع الدائم الذى يبحث عن ثغرة ليطل برأسه ويردد «لا أزال هنا» لا تتوهم أن ضحكتك قد محت وجودى.. ربما هو ذاك أو ربما الغضب الذى لا يجد له مساحة إلا عبر السوشيال ميديا لمن «استطاع إليها سبيلا» قبل أن يشطب التغريدة أو البوست الرقيب «الأخ الأكبر» حتى هذه لم تعد كما يصورها البعض سماء دون غيوم وبحرا دون أسوار وأبواب ويافطة «خاص ممنوع الدخول» البحر لم يعد مشاعا كما كان وليس ملكا للجميع بل هو للخاصة فقط أو لمن يملك أن يدفع الثمن!!
***
ربما كل ذلك وربما أيضا أنه تجسيد لتشوهات أخرى فى الشخصية، مثل النرجسية المفرطة أو الاعتقاد بأن الحقيقة والمعرفة خاصة به أو بها أو هى فقط وبشكل بسيط الإحساس بذاك العجز المميت.. العجز الذى لم يبق فى يد الفرد منهم ومنا إلا الكلام فى الجلسات المسائية الحميمية.. هو أن تبقى لسنين تردد أن هناك حاجة للتغيير أو أن التغيير قادم لا محالة وتمضى السنين وتكتشف ربما متأخرا أن النيات والعلم والثقافة والمعرفة كلها لا تكفى وحدها.. وأنك قد بعدت وبعدت حد الغربة عن واقعك فيما لا تزال تتصور أنك لا تزال هناك فى ذاك الشارع الواسع بأشجاره التى تسقط ظلالها على البيوت المصطفة فى حى الطبقة الوسطى.. لست قادرا على الاعتراف بأن سنينا مضت وأنك تناغمت مع واقعك الجديد وتلونت بلونه فيما لا تزال الصورة فى ذهنك عالقة عند ذاك الباب لبيت بحديقة صغيرة كان هناك يوما.. قد تكون هنا، عند هذه اللحظة وقفت وتصورت.. إن الأرض لم ولن تدور إلا حولك..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تعصب اللا متعصب تعصب اللا متعصب



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon