توقيت القاهرة المحلي 09:00:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نجوم البحر

  مصر اليوم -

نجوم البحر

بقلم: خولة مطر

لم يكن الخيط الأخير قد اختفى عن الأبصار.. احمرت السماء قليلا وبدأت تلك الأضواء الصغيرة القريبة من شاطئ البحر تزينه، إنها حقا نجوم البحر التى تضيئه كل مساء وتبقى هناك.. هو مركب صغير مع صياد طبعت الشمس لونها على جلده رغم أنه لا يخرج إلا عندما ترحل هى خلف السماء البعيدة.. ولا يعود إلا فى الساعات الأولى من اليوم الآخر.. لكن لا يملك إلا أن يبقى قريبا منها طوال اليوم بينها وبينه وبين البحر حكايات طويلة ورفقة لم تفسدها عوالم الزمن والتعرية!
***
كلوحة هى تلك المراكب الصغيرة بصياديها، كل يعرف أين المساحة الخاصة به بل هو حفظها عن ظهر قلب كما باطن يده.. هناك الهدوء المنعش وعندما يكون البدر أو الهلال منيرا فى المساء يتصور كل منهم أنه هناك من أجله هو فقط يؤنس خلوته وموجة البحر المتعبة.. منذ أن فتحوا ذاك الممشى القريب وهم فى حالة من الغضب، كمن استباح أرضهم وفضاءهم.. فى البدء تحملوا الأحجار والرمل والمعدات المتبقية من يوم عمل لتعبيد الطريق الموازية أو الممشى وهم يتعطلون من البحر باتجاه اليابسة التى غصت بكل ما من شأنه تشويه تلك البقعة العزيزة.
***
بعد أن رحلت المعدات والرمل والحجارة بقى الممشى لأشهر هادئا إلا من بعض الذين اكتشفوه حديثا فاطمأنوا هم الجالسون فى البحر يراقبونهم من بعيد.. ولكن الفرحة لم تطل وفجأة عج المكان بكبار وأطفال على عجلات وكبار سن ومتريضين وكثير من الموسيقى الصاخبة وبائعى الذرة والبليلة أو الحمص.. اقتحم كل هؤلاء «المزعجون» ذاك المكان المقدس.. يبدأ زحفهم من ساعات العصر الأولى ويستمرون حتى آخر ساعات الليل ثم يرحلون.. تطفأ الأنوار تاركين خلفهم أكوام من بقايا أطعمة وأوراق وقنانى الماء الفارغة وعلب المشروبات على اختلافها، وما زاد من ألم الصياد أو نجمة البحر المضيئة هو أن كثيرين منهم لم يحترموا نقاء البحر فرموا بكثير من ذلك ليستقر فى قاعه أو يطفو على سطح مائه.. عكروا ماء البحر ورموا مخلفاتهم ورحلوا ليعودوا فى اليوم التالى ليكرروا نفس المشاهد بنفس ما سموه الصيادون «التخريب».
***
رفعوا الشكاوى المتكررة ولكن بقى السؤال لمن يشتكون؟ فالقاضى ومرتكب «الجريمة» مهما كانت صغيرة، الاثنان متقاربان حد الشبه، فلا يرى أى منهم ما يفعله بأنه انتهاك للطبيعة ولحق الغير والعدالة الجماعية.. بل ردد عليهم أكبرهم سنا «الشكوى لغير الله مذلة».. لم يبالوا بنصائحه وحكمه المعتقة فى أباريق الخوف الذى لم يخرج من تحت جلدنا بعد.. قالوا نحن فى البحر أحرار بصوت الصمت فلم نخف أن نسمع صوتنا على الأرض؟
***
بدأوا بمحاربة رمى المخلفات فى البحر وضعوا اليافطات بأنفسهم فجاءت البلدية لتعاقبهم هم فقط.. تفاوضوا مع رئيس البلدية وهو يجلس خلف مكتبه الوثير وأمامه منفضته بسيجارة الكوهيبا الفاخر.. بالطبع لم يكونوا يعرفون شيئا عن أصناف السيجار حتى شرح لهم أصغرهم عمرا وهو المطلع والمتعلم والذى لم يجد وسيلة للرزق سوى صيد البحر ثم عشقها فلم يعد قادرا على أى فعل آخر.. صافحهم رئيس البلدية بشيء من «القرف» فأياديهم خشنة من تلك الشباك وبقايا ضربات الأسماك الضخمة وهى تقاوم صائدها.. وأظافرهم غير مقصوصة بعناية كما هو، أما ملابسهم فتفوح منها رائحة ماء البحر وعلى وجوههم بقايا ملحه، أى ملح بحرهم.
***
خرجوا متوجسين من نظراته الأخيرة وهو يوعدهم خيرا بل أعطاهم درسا طويلا حول محاولة البلدية المسئولة عن ذاك الشاطئ العام فى المحافظة على نظافته ولكن «ماذا نفعل مع شعب همجي؟» ردد أحدهم غضبا وبأن ذاك على وجهه تصورا أنه المعنى بالشعب الهمجى.. عند خروجهم من مكتبه الفخم فى ذاك المبنى العريق من أيام الدولة العثمانية، قال لهم لماذا تركتونا نسكت عن هذا.
***
ساروا هم نحو بحرهم، ركبوا قواربهم، بقيت نجومهم مرسومة فوق صفحة ماء ذاك البحر وهم يتغزلون به ليلا عندما يستر الظلام فوضى تلوثهم.. ثم يعودون ليكرهوه فى الصباح، وبعد الظهيرة ينظرون لكل أولئك المصطفين رافعين أصوات الراديو على صخب لا يمكن تسميته إلا بالتشويه السمعى.. تلوث بصرى وسمعى وبيئى حتى السمك الذى يصطادونه رفضه الكثيرون خوفا من تلوث تسببوا هم فيه.. امتلأت الأسواق بالسمك المستورد وفضله «الآكلون» كما يفضلون كل ما هو غريب عن تلك الأرض ولكنهم بقوا أوفياء له ولطقوسهم اليومية حتى ساعة الفجر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نجوم البحر نجوم البحر



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon