توقيت القاهرة المحلي 05:23:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نجوم البحر

  مصر اليوم -

نجوم البحر

بقلم: خولة مطر

لم يكن الخيط الأخير قد اختفى عن الأبصار.. احمرت السماء قليلا وبدأت تلك الأضواء الصغيرة القريبة من شاطئ البحر تزينه، إنها حقا نجوم البحر التى تضيئه كل مساء وتبقى هناك.. هو مركب صغير مع صياد طبعت الشمس لونها على جلده رغم أنه لا يخرج إلا عندما ترحل هى خلف السماء البعيدة.. ولا يعود إلا فى الساعات الأولى من اليوم الآخر.. لكن لا يملك إلا أن يبقى قريبا منها طوال اليوم بينها وبينه وبين البحر حكايات طويلة ورفقة لم تفسدها عوالم الزمن والتعرية!
***
كلوحة هى تلك المراكب الصغيرة بصياديها، كل يعرف أين المساحة الخاصة به بل هو حفظها عن ظهر قلب كما باطن يده.. هناك الهدوء المنعش وعندما يكون البدر أو الهلال منيرا فى المساء يتصور كل منهم أنه هناك من أجله هو فقط يؤنس خلوته وموجة البحر المتعبة.. منذ أن فتحوا ذاك الممشى القريب وهم فى حالة من الغضب، كمن استباح أرضهم وفضاءهم.. فى البدء تحملوا الأحجار والرمل والمعدات المتبقية من يوم عمل لتعبيد الطريق الموازية أو الممشى وهم يتعطلون من البحر باتجاه اليابسة التى غصت بكل ما من شأنه تشويه تلك البقعة العزيزة.
***
بعد أن رحلت المعدات والرمل والحجارة بقى الممشى لأشهر هادئا إلا من بعض الذين اكتشفوه حديثا فاطمأنوا هم الجالسون فى البحر يراقبونهم من بعيد.. ولكن الفرحة لم تطل وفجأة عج المكان بكبار وأطفال على عجلات وكبار سن ومتريضين وكثير من الموسيقى الصاخبة وبائعى الذرة والبليلة أو الحمص.. اقتحم كل هؤلاء «المزعجون» ذاك المكان المقدس.. يبدأ زحفهم من ساعات العصر الأولى ويستمرون حتى آخر ساعات الليل ثم يرحلون.. تطفأ الأنوار تاركين خلفهم أكوام من بقايا أطعمة وأوراق وقنانى الماء الفارغة وعلب المشروبات على اختلافها، وما زاد من ألم الصياد أو نجمة البحر المضيئة هو أن كثيرين منهم لم يحترموا نقاء البحر فرموا بكثير من ذلك ليستقر فى قاعه أو يطفو على سطح مائه.. عكروا ماء البحر ورموا مخلفاتهم ورحلوا ليعودوا فى اليوم التالى ليكرروا نفس المشاهد بنفس ما سموه الصيادون «التخريب».
***
رفعوا الشكاوى المتكررة ولكن بقى السؤال لمن يشتكون؟ فالقاضى ومرتكب «الجريمة» مهما كانت صغيرة، الاثنان متقاربان حد الشبه، فلا يرى أى منهم ما يفعله بأنه انتهاك للطبيعة ولحق الغير والعدالة الجماعية.. بل ردد عليهم أكبرهم سنا «الشكوى لغير الله مذلة».. لم يبالوا بنصائحه وحكمه المعتقة فى أباريق الخوف الذى لم يخرج من تحت جلدنا بعد.. قالوا نحن فى البحر أحرار بصوت الصمت فلم نخف أن نسمع صوتنا على الأرض؟
***
بدأوا بمحاربة رمى المخلفات فى البحر وضعوا اليافطات بأنفسهم فجاءت البلدية لتعاقبهم هم فقط.. تفاوضوا مع رئيس البلدية وهو يجلس خلف مكتبه الوثير وأمامه منفضته بسيجارة الكوهيبا الفاخر.. بالطبع لم يكونوا يعرفون شيئا عن أصناف السيجار حتى شرح لهم أصغرهم عمرا وهو المطلع والمتعلم والذى لم يجد وسيلة للرزق سوى صيد البحر ثم عشقها فلم يعد قادرا على أى فعل آخر.. صافحهم رئيس البلدية بشيء من «القرف» فأياديهم خشنة من تلك الشباك وبقايا ضربات الأسماك الضخمة وهى تقاوم صائدها.. وأظافرهم غير مقصوصة بعناية كما هو، أما ملابسهم فتفوح منها رائحة ماء البحر وعلى وجوههم بقايا ملحه، أى ملح بحرهم.
***
خرجوا متوجسين من نظراته الأخيرة وهو يوعدهم خيرا بل أعطاهم درسا طويلا حول محاولة البلدية المسئولة عن ذاك الشاطئ العام فى المحافظة على نظافته ولكن «ماذا نفعل مع شعب همجي؟» ردد أحدهم غضبا وبأن ذاك على وجهه تصورا أنه المعنى بالشعب الهمجى.. عند خروجهم من مكتبه الفخم فى ذاك المبنى العريق من أيام الدولة العثمانية، قال لهم لماذا تركتونا نسكت عن هذا.
***
ساروا هم نحو بحرهم، ركبوا قواربهم، بقيت نجومهم مرسومة فوق صفحة ماء ذاك البحر وهم يتغزلون به ليلا عندما يستر الظلام فوضى تلوثهم.. ثم يعودون ليكرهوه فى الصباح، وبعد الظهيرة ينظرون لكل أولئك المصطفين رافعين أصوات الراديو على صخب لا يمكن تسميته إلا بالتشويه السمعى.. تلوث بصرى وسمعى وبيئى حتى السمك الذى يصطادونه رفضه الكثيرون خوفا من تلوث تسببوا هم فيه.. امتلأت الأسواق بالسمك المستورد وفضله «الآكلون» كما يفضلون كل ما هو غريب عن تلك الأرض ولكنهم بقوا أوفياء له ولطقوسهم اليومية حتى ساعة الفجر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نجوم البحر نجوم البحر



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon