بقلم: خولة مطر
ساد الرعب بلاد العالم، ويتابع الجميع الأخبار القادمة من وزاراة الصحة أو منظمة الصحة العالمية عن أعداد الإصابات الجديدة بفيروس الكورونا.. ساد الخوف ربما لعدم المعرفة بهذا الفيروس أو لأن الإعلام كعادته اصطاد قصة جديدة تزيد من عدد المشاهدين أو المتابعين.. البعض حتى فى الدول الأكثر ديمقراطية حيث المحاسبة سيدة الموقف ولا تستطيع أى حكومة أن «تكذب» أو «تزور» أو «تخفى» الحقائق، حتى فى مثل هذه الدول أفرغت المتاجر من المأكولات.. حتى الشوكولاتة أصبحت من المواد التى تعد ضرورية لتخزينها خوفا من اليوم الذى يطالب به الجميع الالتزام بالبقاء فى منازلهم..
***
الخوف هو أكثر المشاعر قوة ولا مناعة للكثيرين منه، الخوف من التغيير، من المرض، من الطبيعة عندما تغضب من أى قادم جديد.. ولذلك فقد كان الخوف هو من ثبت حكما لسنين طويلة أيضا عندما تعمل حكومات عبر أدواتها المختلفة على تخويف شعوبها من أى جديد أو أى محاولة للتغيير، وبذلك عن طريق كتم أى آراء مختلفة أو مشاعر بالغضب نتيجة سياسات مجحفة أو حتى تململ من اقتصاد ينهار تحت مرض الفساد المستشرى.. ينهمك الأفراد فى أمورهم الحياتية الآنية وكحكوماتهم يترك القادم على الله!!! حتى أصبحت القدرية هى أكثر الوسائل المساعدة على تأقلم الأفراد وتقبلهم لحياة من اللهث خلف تدبير الأساسيات وقروض فى البنوك والاتكالية.
***
لكل ذلك استطاع فيروس الكورونا أن ينشر الذعر، فأوقفت المدارس وألغيت المؤتمرات وأفرغت المراكز الثقافية من زوارها وأصبح المنزل هو المأوى الأول والأخير يلوذ له وبه كل أفراد العائلة ويبتعدون عن الزيارات مع استمرار الغزوات على السوبر ماركت والمتاجر التى كانت تكدس المواد الغذائية وخاصة المعلبات، فالبعض ينذر أن الكورونا الشيطانة ستتحول إلى وباء بشكل سريع.
***
كل ذلك قد يبدو مبررا إلى أن قالت لى تلك الزميلة الصينية إنها كانت تتمشى فى الشارع فراح الناس يشيرون لها مرددين كورونا كورونا.. ورددت أنها لا تلومهم فالإعلام قد أثار رعبهم ووسائل التواصل الاجتماعى نشرت مقاطع بشعه لكيفية مكافحة الكورونا من قبل السلطات الصينية.. أمر لا يبدو إلا أنه إبداع لعقل مريض.. وهذا العقل المريض لم يتوقف عند الصور والسخرية والعنصرية ضد الصينيين فما إن أعلنت إيران عن حالات من الإصابات حتى سيس الفيروس البريء من طائفية مغيبة قد تم غرسها فى عقول الصغار قبل الكبار وراح الكثيرون ودون خجل يرسلون الرسائل على وسائل التواصل يطالبون بالعزل وهم يغمزون من صوب طائفة معينة ويسقطون الكراهية التى تم حقنها على مدى سنوات لتشمل الشعوب وليس الحكومات فقط.. فقد تختلف دولتان او حكومتان حول أمور سياسية ولكن ما ذنب الشعوب فيما يحدث خاصة وأنه لا حول ولا قوة لمثل هذه الشعوب فى صنع القرارات السياسية أو الاقتصادية ولا حتى الاجتماعية، بل لا حيلة لهم فى رفض طريق يشق حيهم بالنصف أو طريق يُسد ليوفر لمسئول أو متنفذ ما مساحة أكبر لحديقة فى بيته أو حتى الاستيلاء على حديقة عامة!!
***
لم يتبق إلا أن يقوم بعضهم بطرح السؤال «هو فيروس الكورونا شيعى أم سني؟».. وهذا هو السؤال الذى لا يطرح بشكل صريح بل بطريقة مواربة لنفى الطائفية عن فئات واسعة من مجتمعاتنا، تلك التى افترسها فيروس الطائفية قبل هذا الفيروس «المسكين» الذى هو لا يتعدى أن يكون من «عائلة» الانفلونزا وكل ما يمكن القيام به لتفاديه هو النظافة ثم النظافة والابتعاد أو عزل المصابين.. ولكن هل لدى حكوماتنا ووزارات الصحة فى منطقتنا والعالم مصل ضد الطائفية والعنصرية واستخدام ما يحمله القاموس العربى والإنجليزى من تعابير بذيئة خارجة عن تراثنا وتقاليدنا ولغتنا الجميلة التى شوهها البعض.. للحظة يتخيل المرء أن العائدين من العمرة قد أصيبوا بهذا الفيروس هل ستقبلون من وضعوا فيديوهاتهم ومقولاتهم المليئة «بالحكمة» على وسائل التواصل، هل يتقبلون المعاملة ذاتها من رفض الآخر والتعامل معه وكأنه مواطن درجة ثانية أو حتى السخرية.
***
كورونا التى فضحت طائفيتهم وعنصريتهم لا يمكن إلا أن تكون مفيدة لفضح هذا المرض والبحث عن حل سريع، وإلا فستكون طائفيتنا أكثر فتكا وقتلا وموتا من أى فيروس.