توقيت القاهرة المحلي 06:46:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

طلال سلمان.. كم أنت حاضر فى غيابك!

  مصر اليوم -

طلال سلمان كم أنت حاضر فى غيابك

بقلم - خولة مطر

وقلبك يعصره وجع الفقدان.. اكتبى. وهمك يصبح أكبر من حجم تلك الغيمة البعيدة فى جحيم صيف 2023.. اكتبى. وأنت تمسكين بيده وهو ممدد فوق سرير ليس سريره فى غرفة العناية الفائقة.. اكتبى. والصور تتداعى بل تعود لها الحياة بقدرة قادر من صنعاء إلى القاهرة مرورا ببيروت.. اكتبى. وهو مستلقٍ هناك على سرير بارد جدا وأنت تعلمين أنه يكره البرودة أو اللالون أو رائحة.. اكتبى. وصوت صديقى العابر للحزن والوجع يبدو أكثر قربا من كثيرين هنا ليردد هو أكثر حياة.. اكتبى. وصور كثيرة من هنا وهناك وآخرها معا بعد انفجار بيروت فى مكتبه وهو يعلمنى فن الحياة دون أن يلقنها.. اكتبى. وأنت تتلقين الخبر المتوقع فى رسالة قصيرة وشديدة الحيادية «البقية فى حياتك».. اكتبى. وأنت تعلمين أن فى موته وحياته حضورا.. اكتبى. وهو فى موته الحى فى زمن الأموات ــ الأحياء المتجولين بين الأسطر.. اكتبى.
• • •
كنتِ بحاجة إلى الوقت كعادتك فى التعامل مع الوجع الكبير والفرح الكبير أيضا.. بعض الوقت أو كثيره.. ولكن لا وقت وأنت تريدين كما وقفتِ عند حافة سريره الأبيض كقلبه تناديه لأن يعود ويستفيق ويفتح عينيه وتعيدان معا تلك الحوارات المفعمة بالأمل حتى عندما كانت السماء تمطر ماء بلون الليل.
• • •
من أين له بكل هذه القدرة على الابتسامة بل الضحك فى الأوقات العصيبة وهو يواجه وحيدا رياحا وعواصف؟ هو الذى عرف بل تصادق مع الموت مرارا، ألم تطارده أشباحهم وقنابلهم ومفخخاتهم حتى بقى على وجهه بعض من آثار؟ كيف يقوم المرء من الموت بحثا عن الحياة لأن على «هذه الأرض ما يستحق الحياة؟».. هو الذى ضحك كثيرا وأنت تحدثينه عن جراح مع بعد الانفجار ويروح ليقارن الندب على وجهه ووجهك.
• • •
لا أعرف كيف أطرز له كلمات وهو غائب لأقول الكثير الذى ربما قلته فى ذلك اللقاء ولقاءات أخرى قبلها وبعدها، أو لم أقله فقط لأنه لا متسع عنده هو المهموم بنا وبهم وبكل الذين كتمت أصواتهم أو غيبت.. هو صوتهم وصوتنا من لبنان إلى الوطن العربى.. هو الذى احتضن الصحفيين المبتدئين منا كما قضايانا الصغيرة فى مقابل وطنه الذى كانت المفخخات فيها أكثر من علب الأدوية.
• • •
أكتب وهو الذى علمنى فن تطريز الحرف وتلحين الكلمة.. هو الآن غائب؟ ربما، إلا أن حضوره منذ خبر رحيله باهر بل طاغٍ على كثير من الحاضرين الغائبين.. كيف لا والرسائل تأتى تباعا تتساقط من أشجار كثيرة من مدن وقرى بعيدة عن الوطن العربى الذى قال إن «السفير» هى جريدته فى لبنان وجريدة لبنان فيه.. ومن أصوات كثيرة أحبته لأن له شرف محاولة أن يكون صوتها الذى خنق بين كثير من الكونكريت والنفاق المتعفن فى رحم الأنظمة.
• • •
هو الذى خلق مدرسته الخاصة فى الحوار مع سياسيين تدربوا على المراوغة إلا من أسئلته وملاحظاته ونظراته الثاقبة التى لا تخيب ولم تخب أبدا فى فهم ما خلف الابتسامة والكلمات المنمقة والمديح الممجوج.
• • •
وعندما كتب الكثيرون وسريعا أيضا أى بعد سماع الخبر بلحظات، عدت لشكى فى نفسى الذى قال عنه هو يوم.. هو أستاذى ومعلمى وصديقى الأستاذ طلال سلمان، قال متى ستتوقفين عن هذه الهواجس أو تتعافين من مرض الوسواس القهرى لدى الصحفيين من تلامذته؟.. فيما يهمس فى الجلسات الهادئة برفقة الصحبة المحببة إلى قلبه بأنه هو الآخر يتوقف أحيانا عند تفصيل الحرف واللفظ ويراجع ثم يراجع وكثيرا ما يقول بعد قراءة المقالة على صفحات الجريدة مع قهوة الصباح «ربما كان أفضل أن أستخدم هذه الكلمة أو ذاك التعبير». الأستاذ طلال المغمس، ولكن علينا دوما أن نكون مخلصين لتلك المهنة التى هى عشقنا الأزلى.
• • •
وهو الذى يعرف تضاريس المنطقة ــ ليس المتعارف منها ــ بل تلك الأكثر عمقا وصعوبة فى الملامسة، وبذاك الحس نفسه قال لى وأنا أودعه مع رحيلى من بيروت إلى القاهرة لدواعى عملى الجديد، قال: «لا تحزنى على الفراق فإنك ستشهدين ثورة فى مصر»، وقبل أن يكمل جملته كنت قد صرخت «أى ثورة أستاذ طلال.. أى ثورة؟» ومضت أيام وأسابيع وأشهر وبعد عام أو أقل وعند ساعات المغرب الأولى وعلى مدخل كوبرى قصر النيل من ناحية ميدان التحرير اتصلت به وهو فى مكتبه يدخن سيجارته ويرشف فنجان قهوته وأنا أصرخ «أستاذ طلال.. أستاذ طلال نجحت الثورة وأسقطت الرئيس».. لقد كان يقرأ القادم بنظرة صحفى محترف نادر فى زمن الكتبة والمدعين.. أستاذ طلال كم أنت حاضر فى غيابك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طلال سلمان كم أنت حاضر فى غيابك طلال سلمان كم أنت حاضر فى غيابك



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon