بقلم: خولة مطر
حكايات غسل الأدمغة عن طريق المحطات المتلفزة العربية والمؤدلجة والمليئة بالشتائم وخطاب لا يعرف سوى نشر الكثير من الكراهية.. هل من الضرورة أن أكره من أختلف معه؟ هل من الضرورة أن أشتمه؟ ألا أعرف أن أختلف معه وأرتفع بمستوى حوارى ونبضات صوتى؟
***
لم يعد أحد لا يعى مدى تأثير وسائل التواصل الاجتماعى على نشر مثل هذه الأخلاق والعادات الجديدة حتى أصبحت تلك الكلمات التى كانت محرمة جدا فى الأحاديث اليومية، أصبحت لغة «العصر» عادية جدا ومقبولة.. لا يمكن إلا أن تكون الطفولة وصورها هى التى ترتسم كلما خدشتك كلمة راحت تدور فى الفضاء رغم أنك لست المتلقى لها إلا أنها توجع بعنف!! هذه لغة العصر، بل لغة شباب هذه الأيام فتيات وفتيان تساوت المرأة العربية العصرية فى لغة الشارع ربما محاولة لرد ما تتعرض له من تحرش ومضايقات فلا يعود أمامها إلا أن تتسلح ببخاخ من خلطة البهارات الحارة وغيرها من المواد التى ممكن أن تعمى العين حتى لفترة بسيطة مما يمنح الفتاة فرصة للهرب، فهو سلاح دفاعى وليس هجوميا كما يدعى البعض.. أو أخرى تقف و«تشرشح» المتحرش وغيرها بكلمات تذهله فيقف خائفا أو حائرا لأنها هى تخاطبه باللغة التى يفهمها وتشلح عنها عباءة الخجل والرقة التى وصمت بها النساء وكأنه لا يحق للمرأة أن تختار مسارها فى الحياة.
***
عندما وصل إلى تلك البلاد القريبة كان يحمل بداخله كثيرا من الخوف وربما أيضا المقت والاحتقار، على أساس أنه قادم من وطن يحترم حقوق الإنسان ويقدرها حتى وصل صريخ المعتقلين والمحرومين والأمهات والزوجات والأطفال إلى أبعد واد فى بقاع الأرض حيث لا صدى إلا لصوتهم أو صوتهن.. مضت أشهر وبعدها كان اللقاء الآخر وكانت المفاجأة أن نفس الرجل الموقر قد حول أو تحول خطابه من الكراهية المطلقة إلى التفهم البسيط.. قبل أن ينهى السنة كان قد تعاطف مع عدوه الذى لم يلتقه ولم يعرفه ولكن ذاك الإعلام ورسائل الواتس آب والتوتر صورته على أنه وحش غير آدمى.. ألم يقولوا إن الإنسان عدو ما لا يعرف أو ربما فى هذه الحالة ما لا يعاشر.
***
التنميط والعداء والكراهية هى ليست قدرا أو حتى صدفة بل هى صور يتناولها البعض بسهولة شديدة وفى الكثير من الأحيان بناء على حادثة عابرة أو خبر ملفق وزعته العقول التى أعدت لتكون على أتم استعداد لتقبل مثل هذه الرسائل المغمسة فى الحقد والجهل أو التقسيم، نعم ذاك الذى علمونا ونحن طلاب صغار نجلس على مكاتب خشبية كل اثنين أو أحيانا ثلاثة على نفس الدرج، حينها كثر حديث المعلمين عن تفسير تلك الجملة «فرق تسد»!!
***
وها هم فرقوا وحشروا الأفكار حشرا فى عقول الصغار والكبار واستخدموا الخوف من الآخر أو الخوف مما لا نعرف والإحساس الدائم بالبقاء فى دائرتك الصغيرة التى تعرفها جدا وتعرف كيف تتعامل معها وأحيانا تنتقدها وما تلبث وأن تعود لها لأن فى تلك البقعة التى رسمت فوق الرمال بصخر التحجر، فيها كثير من الكسل الذى يدفع لإراحة العقل حتى البلادة.
***
هل هذا غسل للأدمغة؟ ربما العكس فالغسل هو تعبير عن النظافة فيما الحشر هو الاتساخ الدائم الذى لا يزيله ذاك المسحوق السحرى الذى تروج له تلك الممثلة الجميلة التى كانت تحتل مكانة أكبر قبل الإعلان!!! هل رأيتم «مريل ستريب» فى إعلان لمسحوق الغسيل الأكثر نظافة؟ إذن فما يحدث هو فى الحقيقة اللعب فى حلقة الجهل المختلط بالخوف والتهديد والوعيد وبعض ثقافة الطاعة والعبودية لأصنام هم ليسوا لبقايا الجاهلية بل هم الجاهلية الجديدة أو جاهلية ما بعد الهواتف الذكية والسيارات التى تسير على الكهرباء وكل الآلات الذكية إلا البنى آدمين هم اخترعوها ثم تخلفوا عنها أو استرخوا فى مستنقع من القذارة الفكرية واللفظية ولكنهم تصوروه الريفيرا الفرنسية فسقطوا فى المحظور وهو أن يكرهوا حتى إخوتهم إذا اختلفوا معهم أو خرجوا عن القطيع واختاروا أن يخلقوا مساحتهم الضيقة خارج الدوائر المريحة والمغلقة.