توقيت القاهرة المحلي 13:28:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لأننا بشر

  مصر اليوم -

لأننا بشر

بقلم : يوسف القعيد

أبدأ بواقعة جرت فى زمن عبد الناصر. فنحن فى الطريق إلى احتفالات كبرى أو هكذا أحلم ـ بمرور 66 عاماً على ثورة 23 يوليو 1952، عندما بدأت عملية بناء السد العالى. وكانت من معارك الوطنية المصرية. أرادت إحدى الصحف سرقة الأضواء من متابعة الجماهير لملحمة البناء.

يومها اخترع صاحبا جريدة قصة وهمية عن اختفاء زوجة منحاها اسم: تاتا زكى. وبدأت المانشيتات تحتل الصفحات الأولى: أين ذهبت تاتا زكي؟ لماذا هجرت تاتا زكى بيتها؟ ومع من؟ تحولت لقصة تابعتها الجماهير. لأن فكرة هروب زوجة من بيت زوجها مسألة تثير الاهتمام وتتطلب المتابعة وتولد حالة من التعاطف الإنسانى سواء مع الزوجة الهاربة. أو الزوج المهجور. أو الأبناء.

ما زال التاريخ يعيد نفسه. فعندما جلست أتأمل حوادث مصر المحروسة مؤخراً. اكتشفت أننا وكأننا يا بدر لم نتغير. وأن تطور الحياة المذهل الذى يجرى من حولنا لا يغير من دواخلنا التغيير المطلوب الذى يتناسب مع حجم التطور. ما زلنا نلهث وراء البطل الشرير. نُعجب به. نحوله لأسطورة. نسأل أنفسنا كيف فعل هذا ونجح فى فعله وتخفى من الشرطة ومن الجيران؟ واستطاع أن يهرب بجريمته بعيداً عن الأعين؟. هذا القدر من الاهتمام غير العادى لا نبديه تجاه إنسان عادى فعل معجزة من المعجزات. فى هذه الحالة قد نقول إنه قام بواجبه. فماذا نفعل له؟.

حادثة العصابة التى اختطفت طفل الرحاب، وطلبت فدية مالية ضخمة. وقدمت الأسرة الفدية. ثم عاد الطفل وعادت الفدية. انصرف الإهتمام إلى العصابة التى خطفت الطفل وصورها. وحكاياتها. وأيضاً نالت الأسرة قدراً كبيراً من الإهتمام الإعلامى ذ وهذا حقها ذ لكننا أهملنا الضابط أو الضباط الذين لعبوا دوراً فى التوصل للعصابة والقبض عليها وتخليص المخطوف سليماً. وإعادة الفدية التى كانت الأسرة دفعتها لقاء استعادة ابنها المخطوف.

لا العصابة قامت ببطولة تستحق الاهتمام. ولا الكتابة. ولا المتابعة. والأسرة قامت بما يجب عليها القيام به تجاه طفل مخطوف. ومرت بتجربة إنسانية أكثر من مخيفة خلال فترة الخطف التى استمرت أياماً. وصبرت. وقاومت الدموع. وتعلقت بالأمل مهما يكن ضعيفاً. فى انتظار عودة الطفل المخطوف.

لكن لدينا بطل أو أبطال بحثت عنه أو عنهم فى صحفنا. كنت أبدأ الصحيفة بقراءة صفحات الحوادث. لأعرف من الذى تمكن من ضبط العصابة وتخليص الطفل حياً وسليماً. بل وإعادة الفدية. إنه بطل الحكاية الأول والأخير. الفاعل الأصلى، الذى كان يجب أن نتوقف أمامه. وأن نحييه وأن يقوم رؤساؤه بمكافأته على العمل الذى قام به. هذه المكافأة لا تخص الضابط أو الضباط وحدهم. ولكنها تحيى قيمة افتقدناها فى حياتنا. أن من يقدم خدمة جليلة لبلادنا. حتى لو كانت لأسرة. فكأنه خدم الوطن بمن فيه. ولا بد للوطن أن يتوقف لحظة ليقول له شكراً على ما قمت به. وأن يعلن هذا. لأنه يشكل دافعاً أمام الآخرين لكى يعتبروا أن حياة الناس أمانة بين أيديهم.

رئيس مصلحة الجمارك حكاية أخرى. تفاصيل لا أول لها ولا آخر. وانقسام فى المجتمع جعل الخوف يتسلل إلى نفسى. فهناك من يقول إنه أخذ المبلغ فعلاً. لكن كانت هناك اجتهادات مصرية تبرئه. وتنسب له من الفضائل ما لم يكن موجوداً فيه. بل ويلجأون لنظرية المؤامرة. ويتساءلون عن الكبار الذين تمت تغطية ما قاموا به فى القضية. سمعت من يقول إن هذا الرجل قدم رسالة للدكتوراه حول الفساد فى الجمارك. فكيف يقدم على جريمة؟!. ومن كان يردد هذا الكلام لم يكن يدرى أى معلومة حقيقية عن الرجل. وفى حالة رئيس مصلحة الجمارك الذى قضى فيها ستين يوماً فقط. ثم ألقى القبض عليه فى تهمة رشوة. كانت تتطلب بيانات رسمية تصدر من جهة التحقيق بشكل يومى حتى لا نعطى هواة الاجتهاد فيما لا يعرفون عنه الكثير فرصة لأن يعلنوا أى شيء يتصورون أنه حدث. بصرف النظر عن التأكد منه.

المحاسبة مطلوبة. ومطاردة الفساد لا بد منها. لكن مخاطبة الرأى العام من خلال جهات رسمية مسألة تغلق الباب أمام أصحاب المصالح الشخصية. وأمام فئة من الناس أراهم فى مثل هذه الحوادث تتلبسهم حالة العلم ببواطن الأمور. ومعرفة كل شيء. وادعاء أنهم كانوا فى قلب قلب الحدث. وإضافة توابل كثيرة من عندياتهم. والنفس الإنسانية تحب وتكره. وهذا من حقها. لكنها عندما تحب فهى توجه كل ما تعرفه لتعزيز هذا الحب. وعندما تكره فإن جميع ما يصل إليها يوجه لتعميق الكراهية وتحويلها إلى سدود مانعة تحول المجتمع إلى مجموعات.

أعرف أن الشرير يصبح بطلاً. وأن الإنسان الفاضل ربما نظرنا إليه إلى أنه هكذا خلقه الله. وهكذا أرادت له العناية الإلهية. فماذا فعل أكثر من كونه امتثل للطريقة التى جاء بها إلى الدنيا. لكن فى الشرير إغراء غير عادى. فمن المؤكد أن فى شخصيته خللا إنسانيا ما. دفعه لأن يقوم بما قام به. ولهذا تصبح له عند الناس ـ خاصة العامة منهم ـ حفاوة لا يحظى بها الإنسان الخَيِّرْ. الذى نقول عنه إنسان عادى. هل أقول إن أبطال الروايات الذين كانوا أشراراً هم من نتذكرهم؟ حاول أن تستحضر فى ذهنك أبطال نجيب محفوظ. ستجد أن سعيد مهران يسبق كثيراً كمال عبد الجواد. ولمن لا يتذكر فإن سعيد مهران كان التجسيد الروائى لشخصية محمود أمين سليمان، سفاح الستينيات الشهير. حتى فى تركيبة الإسمين يوجد تقارب. أما كمال عبد الجواد بطل الثلاثية. فهو الذى جسد الأزمة الروحية لنجيب محفوظ فى فترة الشباب والبحث عن النفس، ومحاولة العثور على أول الطريق. اعترف نجيب محفوظ أكثر من مرة أن كمال عبد الجواد ربما كان الأقرب بين كل الشخصيات التى أبدعها إلى أزمته الروحية والإنسانية. ومع ذلك يتفوق عليه كثيراً سعيد مهران. بل وينال إعجاب كثير من الناس. حتى وإن كانوا من الشرفاء. هل هى حالة مصرية فقط؟ أم أن كل الشعوب هكذا؟ تبحث عن بطلها حتى لو كان شريراً؟!.

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لأننا بشر لأننا بشر



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon