بقلم : يوسف القعيد
أكتب ما سأكتبه. وأنا غارق في إحساس بالخجل من ممارستي لعادتنا القاتلة. ألا وهي الاهتمام بمن يرحل من عالمنا. واللهاث وراء ذكراه. والكتابة عنه. وإظهار ما قدمه من مشروع في الكتابة. مع أن هذا لو تم وهو بيننا ومعنا علي قيد الحياة. لكان ذلك أفضل. بل ربما طالت حياته أكثر. مع أن الأعمار بيد الله وحده.
احترت في تفسير الظاهرة. وكتبت من قبل. وأكرر الآن: هل نمارس هذا لأننا أحفاد من بنوا الأهرامات؟ وأهم منجزاتهم كانت أعمالا فنية خالدة تتحدي النسيان؟ وتقول لنا بعد سنوات: كانت هنا حياة. وكان فيها أبطال يستحقون أن يخلدوا. ربما. لكنها عادة لابد من مقاومتها.
رحل عبد الوهاب الأسواني في صمت وهدوء صباح الخميس الثالث من يناير. لم أعرف إلا بعد أن تم دفنه. وأقيم له عزاء في الزيتون. والأسبوع الماضي هاتفني خالد حنفي، رئيس تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون ليقول لي إن هناك تأبينا لعبد الوهاب الأسواني في نقابة الصحفيين. حدثني قبل التأبين بساعات. ولم يكن من الممكن إعادة ترتيب اليوم من أول وجديد لكي أكون هناك. مع حرصي الشديد علي ذلك.
في الأسابيع القادمة ستقيم لجنة القصة بالمجلس الأعلي للثقافة أمسية لعبد الوهاب الأسواني. اقترحها الدكتور حسين حمودة، علي اللجنة. وأتمني لو كانت محاولة ليس للتأبين، ولكن لإلقاء نظرة علي عالمه ومشروعه الروائي والتوقف أمام منجزه. وأن نحدث الأجيال الطالعة عن كاتب فريد ربما غير قابل للتكرار. رغم أنه اختار أن يكتب فقط ويعتبر أن الكتابة قضية عمره الأولي، لا يسبقها غير القراءة. وعملية التثقيف الدءوب والصامتة التي مارسها بينه وبين نفسه.
لم أصدق أن عبد الوهاب الأسواني لاقي وجه ربه وهو في الخامسة والثمانين. ربما لأنه في سنواته الأخيرة كان قد انقطع عنا وانقطعنا عنه بسبب مرضه أو إهمالنا لمن لا نجدهم في وجوهنا دون سعي منا للقياهم.
سلمي الأسوانية كانت روايته الأولي. التي حملت كل ملامح عالمه. وقدمته لنا كقاص هادئ يكتب بإخلاص ما يشعر به وبصدق ودقة. لا يكتب إلا عما يعرفه جيداً. أخذ خطوة للوراء منذ بدايته الأولي. ووقف يطل علي الدنيا من المكان الذي يقف فيه. ينصت أكثر مما يتكلم. وحتي عندما يقرأ أو يكتب. وكان غزير القراءة ولديَّ يقين أنه كان غزير الكتابة أيضاً. رغم أن ما نشره أقل من القليل. كان ينصرف للعمل قراءة كانت أم كتابة في صمت وبهدوء وبعيداً عن أي صخب أو ضجيج في الحياة اليومية.
له من الأعمال الروائية: وهبت العاصفة، اللسان المر، ابتسامة غير مفهومة، أخبار الدراويش، النمل الأبيض، كرم العنب. ومن الأعمال القصصية: مملكة المطارحات العائلية، للقمر وجهان، شال من القطيفة. ومن الإبداعات الأخري: مواقف درامية من التاريخ العربي، خالد بن الوليد، أبو عبيدة الجراح، الحسين بن علي بن أبي طالب، بلال مؤذن الرسول، عمرو بن العاص.
عبد الوهاب، يا نبع الصفاء، سامحنا وحتي الملتقي، دينك في أعناقنا جميعاً.
نقلا عن الاخبار القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع