بقلم : يوسف القعيد
عندما قرأت عبارة أن مصر الأولي عالمياً، سعدت، قبل الوصول لختام الجملة. فحب الأوطان فرض. عندما يكون الوطن مصر. أقول عنها: لا مصر إلا مصر. لكن باقي الجملة يدفع لقلب الإنسان حالة من الحزن علي حاضر المصريين، والأهم علي مستقبلهم.
صدمتني عبارة أن مصر الأولي في العالم في ارتفاع الطلاق. لا تسبقها دولة أخري. لا غربية ولا شرقية. لا متقدمة ولا متخلفة. لا إفريقية ولا أسيوية. ولا تنتمي لأمريكا اللاتينية. وأننا حققنا السبق العظيم لأنه تحدث عندنا حالة طلاق كل 4 دقائق. معدل مهول، ولو ترجمت الدقائق لساعات، والساعات لأيام، ستتضاعف الأرقام بصورة مفزعة.
ولو تركنا الأمر علي ما هو عليه، سنصل إلي حالة من القبول المجتمي بفكرة الطلاق. باعتباره حلاً للمشاكل، علماً بأن الوصول إليه مشكلة المشاكل. وما يترتب علي حدوثه بالنسبة للأجيال الطالعة، أقصد الأطفال. أمور بالغة الخطورة.
السؤال الذي لابد أن نسأله لأنفسنا: ما الذي أوصلنا إلي المربع الأخير؟ أو الذي أتمني أن يكون الأخير؟ وألا تعقبه أرقام أخري أكثر فزعاً، علماً بأن هذه الأرقام الراهنة التي وصلنا إليها مخيفة. أعرف أن ما يرعبنا كثير. وأنا لا أحب أن أمارس تجارة الفزع والتخويف والرعب. لكن مسألة الطلاق تعني مستقبل العائلة المصرية النواة الأولي للمجتمع المصري عبر أزمنته وعصوره.
أسمع أحياناً عن حلول تقدم. تبدأ من المسجد والكنيسة. وتصل إلي الشئون الاجتماعية. والحلول التي أسمع عنها شكلها براق، وربما كان جميلاً. لكن الفيصل تنفيذها في الواقع. أكرر التنفيذ الفيصل بين حل وآخر، بين حل خيالي قريب من دنيا الأحلام، وآخر ممكن التحقيق.
أسمع عن حالات طلاق كثيرة بسبب المحنة الاقتصادية الراهنة. وأطالع في صحفنا أخباراً عن العنف الأسري، والجريمة العائلية. يكون الفاعل الرجل والضحية المرأة، وربما حدث العكس. ونحن نتجاهل الأطفال الذين يشاهدون العنف وهم في أول حياتهم. فيزرع في وجدانهم فكرة العمل العنيف باعتباره حلاً لمشاكل مستحيلة الحل.
قبل أن نصل للمربع المخيف، القبول المجتمعي بفكرة الطلاق، والتعامل معها كحالة مثل الزواج، والخضوع لها، والتكيف والتأقلم معها. لابد من مواجهة الأمر. ابتداء من الحضانة، ثم المدرسة بأشكالها المختفلة، والجامعة، وأيضاً المجتمع. ويجب ألا ننسي أن تنامي الطلاق ربما يعود لمشكلة المشاكل. ألا وهي: الهم الاقتصادي الذي يعاني منه كل بيت في مصر الآن.
الأخطر من كل ما مضي هو عزوف كثير من الشباب من الجنسين عن فكرة الزواج أساساً. وعدم الإقدام عليها. وعدم النظر إليها علي أنها الطريق - ربما الوحيد - للاستقرار. وأن تكوين أسرة هو استمرار للإنسان نفسه ولمجتمعه ولوطنه ولأمته. وحتي لو تزوجت الأجيال الطالعة مضطرة، فإنها قد تفعل هذا باعتباره الحل الذي لا حل سواه. هل هناك يأس إجتماعي أكثر من هذا؟!.
هل تريد الحق؟ أم ابن عمه؟ بقدر فزعي من هروب الشباب من الزواج، أفزع أكثر من محاولاتهم الهروب من الوطن. والجري لأي مكان آخر في الدنيا الواسعة مهما كانت التضحيات.
نقلا عن الاخبار القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع