توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شهرزاد ما زالت تحكى

  مصر اليوم -

شهرزاد ما زالت تحكى

بقلم - يوسف القعيد

 من مباهج معرض القاهرة الدولى للكتاب التاسع والأربعين، أن عُدت منه ومعى الجديد من الكتب، ومن بينها كتاب مهم يقع فى أربعة مجلدات، ألا وهو: ألف ليلة وليلة. نشرته الدار المصرية اللبنانية. وهو تصوير عن النسخة التى صححها الشيخ محمد قطة العدوى، قدمها محمد فتحى أبو بكر، وعلق عليها الدكتور عبد العزيز نبوى، وصدَّرها الدكتور صلاح فضل ضمن سلسلة كلاسيكيات التى تصدرها الدار.

وإعادة طبع ألف ليلة وليلة توشك أن تكون حدثاً ثقافياً وحضارياً مهماً، خصوصا أننى ألاحظ خلال جولاتى على المكتبات فى وسط القاهرة خلوها من أى طبعات من هذا الأثر المهم الذى ينظر إلينا فى أجزاء أخرى من العالم باعتبارنا البلاد التى أنتجت هذا الأثر، وربما كان من أهم الكتب التى ينظر إليها بعد قرآننا المقدس مباشرة.

تراجعت الليالى من المكتبات، ولكن فاجأتنى طبعتها الجديدة التى تقع فى نحو ألفى صفحة من القطع الكبير، مقسمة على أربعة أجزاء، فى كل جزء خمسمائة صفحة، ومن المهم أن يتواجد هذا النص أمام الأجيال الجديدة من القراء الذين يبحثون عنه من أجل قراءته، وإن لم يبحثوا عنه، علينا أن ندفعهم دفعاً للبحث عنه.

الليالى مدرسة لتربية الخيال الإنسانى، الذى تراجع كثيراً من حياتنا، وما زلت أذكر وأنا أكتب هذا الكلام الرجفة الأولى التى أصابتنى عندما قرأت الجزء الأول من ألف ليلة وليلة عندما كنت شاباً صغيراً، وقد وجدته بالصدفة، كنت قد ذهبت مع والدى إلى عزبة الحاج عبد القوى أحمد سمك، بالقرب من قريتى دميسنا ونكلا العنب، وفى وقت القيَّالة ناموا جميعاً إلا أنا، بدأت أبحث وأقلب فى الأوراق الموجودة فى المكتب إلى أن عثرت على الجزء الأول من ألف ليلة وليلة المختصرة، التى صدرت من دار الهلال، وكان قد تولى اختصارها وإعدادها للنشر طاهر الطناحى. لحظتها أخذتنى الليالى وحلَّقت بى بعيداً ولم أهبط من التحليق أو أعد منه حتى هذه اللحظة.

منذ أواخر خمسينيات أو أوائل ستينيات القرن الماضى، وأنا أمر بما أسميه: المحاولة المستحيلة لمقاومة السحر، السحر الناتج عن قراءة الليالى، وما فيها من متعة ناتجة عن التعامل مع الخيال البشرى فى أبهى صوره وأجملها قبل كل هذا التقدم العلمى الذى ربما كان الخصم الأول للخيال الإنسانى، رغم أن المنجز العلمى الحقيقى هو الذى يبدأ بالخيال ومن الخيال، وعلى أجنحة الخيال.

لا أريد أن أحكى قصتى مع ألف ليلة وليلة، فربما كان مكانها سياق آخر غير محاولة تقديم هذه الطبعة الجميلة والرخيصة والتى يمكن أن تكون فى متناول اليد، ولكنى أريد الاحتفاء بوجود هذا الأثر النفيس والمهم والغالى لمن لم يقرأوه من قبل، فمن يقرأ ألف ليلة وليلة يكون قد عرف الحضارة العربية الإسلامية، خاصة فى فترة زهوها فى ظلال الدولة العباسية ومن خلال بغداد الرشيد، وأحداث الليالى تدور إما فى بغداد أو فى دمشق أو فى القاهرة.

أعرف أن فيها رحلات السندباد وصلت إلى بلاد واق الواق، مع وصف بديع للرحلات، لكن نقطة البدء تكاد تكون هذه العواصم الثلاث التى لعبت دوراً مهماً فى حمل تراث حضارتنا فى مرحلة كان يمكن أن تشكل خطراً على هذا التراث.

أصحاب الليالى قالوا إن النسخة كاملة، وأن النص كما هو، وإن كنت قد اكتشفت ـ وأنا هنا لا أحب أن أبدو كمن لم يجد فى الورد عيباً فقال له يا أحمر الخدين ـ عندما قرأت حكاية الحمَّال مع البنات، اكتشفت أن بها بعض المحذوفات، وهى من أشهر قصص الليالى. والمحذوف منها عبارات جنسية، والتعامل مع التراث إما أن ننشره كاملاً ونتحمل مسئولية هذا النشر، أو إن رأينا فى ظروف المجتمع وملابسات الحياة وقوى الضغط وتأثيرها على عقول الناس ما يبرر الحذف. لا بد أن نعترف فى المقدمة بأننا حذفنا من الحكاية الفلانية كذا، ومن الحكاية العلانية كذا. هذه هى أمانة التعامل مع نص بأهمية ألف ليلة وليلة.

وإن كان عدوان الحذف رغم أهميته من وجهة نظرى، ورغم عدم الاعتراف به صراحة لا يقلل من الجهد الكبير فى إعادة نشر الليالى مجدداً لقراءتها، يكفى أن يصل النص للقارئ العادى الجديد الذى لم يعاصر كل ما أكتب عنه. ولم يمر به ولم يعرف عنه أى شئ.

ربما كنا جيلا أسعد حظاً من هذا الجيل، خصوصاً فى التعامل مع تراثنا، فما زلت أذكر فى ستينيات القرن الماضى. أننا كنا نستمع إلى شهرزاد فى الراديو فى مسلسل الخامسة والربع، وكنا نجد فى الأسواق كتاب الدكتورة سهير القلماوى عن الليالى، وهو رسالتها للدكتوراه التى قدمتها تحت إشراف أستاذها ووالدها الروحى الدكتور طه حسين، وكانت شهرزاد عنواناً لأحد أعمال طه حسين. بل ربما عمله الوحيد المشترك مع توفيق الحكيم.

من الصعب أن أحصى الأعمال الأدبية والفنية التى عالجت حكاية شهرزاد، ولا أقول أسطورة شهرزاد. فالأسطورة فى أحد معانيها قد تعنى الحادث الذى لم يقع، لكن الحكاية قد تشير إلى ما جرى ووقع فى أرض الواقع.

لدينا محاولات كثيرة فى النص الروائى العربى المعاصر تقترب من شهرزاد، وتقترب من الليالى، ولدينا أفلام سينمائية كثيرة، خصوصاً حول المثير فى الأمور من الحوادث الغريبة. خصوصاً حكاية على بابا والأربعين حرامى. وهى من الحكايات التى اكتشفت بعد نشر الليالى الأولى وأضيفت إليها.

ولكنى أعتب على عصرى وعلى زمانى وعلى المسئولين عن الثقافة العربية فى أيامنا أنه لا يوجد عمل فنى كبير يرقى لمستوى الليالى، حتى لو كان أجزاء، حتى لو كان ملاحم، فكلما بعد بنا الزمان، وتقدمت بنا الأعمار، ورحلنا إلى مناطق لم تكن تخطر لنا على بال، ما زال بداخل كل منا طفل صغير يحب أن يستيقظ وأن نستجيب له. وأن نفعل له ما يرضيه. وأن نغذى خياله. وأن نحكى له ما يحب. وهل لدينا أكثر من شهرزاد التى يمكن أن تشكل مدرسة كاملة فى الخيال الإنسانى؟.

نقلا عن الاهرام القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شهرزاد ما زالت تحكى شهرزاد ما زالت تحكى



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon