لا أكتب مطالباً القارئ ولو من باب النصيحة بأن ينتخب أحد المرشحين. لا أحد ينصح أحدا. ولا من يملى القرار على الآخر. المفروض تكون القناعة الشخصية والإحساس الوطنى والإدراك العميق بالمخاطر التى تتهدد حياتنا. وآمال المستقبل. والنظرة الموضوعية للمرشحين المتجردة عن المشاعر الشخصية. التى تُعلى من قيمة الوطن. قبل أى اعتبار، أن تكون العلامات التى تهدى الإنسان فى لحظة الحقيقة أن يتخذ قراره وأن ينفذه.
نصيحتى فقط والانتخابات الرئاسية تبدأ صباح اليوم، وتستمر غداً وبعد غد أن نذهب جميعاً إلى مقار لجان الانتخابات. ألا نكتفى بالذهاب. أن يكون ذلك على شكل مهرجانات فى حب مصر. من أجل أن يكون لمصر مستقبل يستحقه المصريون. وحتى تبقى لنا مصرنا كما نحلم بها. وكما نريدها.
شكل الانتخابات التى أحلم بها ليس من أجل الخارج. حتى يرضى عنا ويمنحنا شهادة أن انتخاباتنا تمت بطريقة ديمقراطية نزيهة دون أى تدخل من الإدارة. ولكن الداخل المصري. كيان حياتنا الداخلى يستحق أن نقدم له هذه الوقفة مع النفس. حتى نبنى عليها أربع سنوات قادمة تستحقها الأجيال الطالعة من المصريين. من الأبناء والأحفاد وأحفاد الأحفاد.
تسلمنا البلاد مع الولاية الأولى للرئيس عبدالفتاح السيسى بعد الانتصار غير المتوقع على الجماعة البغيضة التى كانت تريد سرقة البلاد وتأميم العباد وتحويل مصر إلى مزرعة خاصة بهم تنتج لهم وتفكر لإرضائهم وتنام وتصحو لتلبية مطالبهم التى كانت مطالب بلا حدود.
لا أريد للماضى أن يشغلنى عن فرحة الحاضر. لكنى أحذر أن صورة الانتخابات فى أعمالنا الأدبية ليست حسنة ولا جيدة. خصوصاً فى أزمنة قديمة، ربما سحيقة. ويكفى أن أشير لصورة الانتخابات فى رواية: يوميات نائب فى الأرياف، لتوفيق الحكيم، صادرة سنة 1937. والفيلم السينمائى المأخوذ عنها عُرِض سنة 1969، وزقاق المدق لنجيب محفوظ، الصادرة سنة 1947. والفيلم السينمائى الذى قدمها عُرِض 1963. وقد تبارت الروايتان فى تقديم صورة سلبية لانتخابات ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.
ها نحن أمام فرصة فريدة قد لا تتكرر بالنسبة للكبار فى السن والمتقدمين فى العمر. أن نقدم لأنفسنا ولأبنائنا ولأحفادنا صورة جيدة وجميلة تليق بمصر من انتخابات نزيهة تُعبِّر نتائجها عما يريده المصريون دون تزويق أو ضغوط أو توجيه. عبر عملية ممارسة سياسية يصبح المصرى بعدها غيره قبلها.
مطالب شعب عنوان أغنية لعبد الحليم حافظ 1962. وفى مقدمتها تداخلت خطب عبد الناصر مع الموسيقى والغناء، حوَّل فيها الشعار السياسى لغناء عذب. وقدَّم أحلام المصريين لعبد الناصر حتى يحولها لواقع أو يحاول أن يفعل ذلك. كان وقتاً جميلاً كان الغناء فيه فى مستوى اللحظة. بل ربما سبقها.
والآن ماذا يريد المصريون من رئيس مصر القادم؟ هذا عنوان كبير إن ادعيت أننى أملك حق الإجابة عليه أتجاوز حدودى وإمكانياتي. لكنى سأعتبر نفسى واحدا من هذا الشعب كما أحلم وأتمنى أن أكون - أستقل التاكسى وأجلس على المقهى وأتردد على الأسواق. وأسمع بقلب وعقل وأذن مفتوحة لما يقوله الناس. وأعتبر أن الناس كل الناس هم الحقيقة الباقية وهم أصحاب الوطن. ويجب أن يكونوا أصحاب أى كلمة نهائية فى مصيره ومسيرته.
احترت بماذا أبدأ؟ أوساط النخبة تتحدث كثيراً عن الحريات وضرورة تحققها أكثر مما جرى فى الولاية الأولي. وهو حق لا يُناقش بالنسبة للمصريين. ومفروض أن نكتب كلمة الحريات وبعدها نقطة. لكن إدراك ظروف بلدنا فى مرحلة استكمال البناء. ربما تطلبت بعض الإجراءات وإن كنت أتمنى أن يحكمنا جميعاً دولة الدستور والقوانين المنفذة لهذا الدستور والمكملة له مهما كانت الصعوبات التى تنتظرنا وظروف استكمال البناء التى ربما كانت أكثر شدة من بداية البناء.
الناس فى الشارع تتحدث عن الاقتصاد. كلمة الاقتصاد من عندي. لا يستخدمها أحد. لكنهم يحولونها لرغيف العيش والطعام ومستلزمات الحياة اليومية ابتداءً من المسكن والعمل حتى ما يستخدمه الإنسان, سواء فى بيته أو فى الشارع. أصل للب الموضوع بعيداً عن الدوران حوله. المشكلة التى تؤرق الناس كثيراً هي: الأسعار. وما أدراك ما الأسعار؟!.
كانت هناك إجراءات اقتصادية صعبة لا بد من اتخاذها. ولكل إجراء اقتصادى هوامشه التى ربما لم يتقبلها الناس. وقد يصبح من الصعب التكيف معها. لكنى مؤمن بالمقولة التى ترى أنه حيث مصلحة الناس يكمن شرع الله. والناس الذين أقصدهم فقراء المصريين الذين يفاجأون بارتفاع فى الأسعار لا يقابله ارتفاع ولو بدرجة أقل فى الأجور ولا حتى فى قيمة الجنيه المصرى التى تتراجع كثيراً. مهما كان الإجراء الاقتصادى الذى لا بد أن نتذوقه كالدواء المر. ويصبح اللجوء له الخيار الأخير، أو ربما الخيار الوحيد. فهنا لا بد من التعامل مع المصريين على أنهم أذكى شعوب الأرض. وأكثرهم تقبلاً لأى صعب وقاس. بشرط أن يفهموا ويدركوا ويستوعبوا ويتقبلوا حقيقة الواضع. قفزت بيَّ الكتابة فجأة إلى قضية الوعي. يسبقه الهم الذى لن أمل من الكتابة عنه ما دمت حياً وما دمت بيدى قلم ولديَّ القدرة على الكتابة: الأمية. الأمية درجات وأنواع. وهناك أميون فكريون وسياسيون ربما تخرجوا من الجامعات. ولكنى سأتوقف عند الأمية الأبجدية. هل أحلم فى الولاية الثانية بمشروع حقيقى لمواجهة الأمية؟ أعرف أن فى مصر جهازا عتيقا اسمه جهاز: محو الأمية. وحتى كلمة محو علينا إعادة النظر فيها. فهى ليست كلمة مكتوبة يمكن أن نمحوها بالممحاة. لكن مواجهة ربما كانت أهم وأيضاً لو تمكنا من مواجهة الأمية يمكن أن نحلم بمواطن لا يصل للمثال. ولكن على الأقل نضمن مشاركة واعية قائمة على الفهم والإدراك.
ثنائية التعليم والصحة. لا أقصد التعليم الذى يلهث وراءه الطفل والمراهق والشاب حتى تصبح فى يده شهادة يستخدمها كسلاح ليحصل على وظيفة تؤمن مستقبله. ولكن التعليم الذى هو بناء الشخصية وإعادة تركيبها حتى يصبح مواطناً لا أقول صالحاً ولكن مواطن قادر على التعامل مع متغيرات العصر والأوان. تبقى الصحة الجرح الغائر فى وجدان المصريين. أقصد الفقراء منهم.
نقلا عن الاهرام القاهرية