هل من حقى أن أقول ما أشبه الليلة بالبارحة؟ تعبير لغوى نستخدمه كثيراً. لكنه يستلزم التشابه التام بين الأمس البعيد القريب وبين اليوم. المطابقة التامة بين ما يحدث الآن وما جرى من قبل مستحيلة. لكنى أعتمد على جوهر الأمر. فلدينا عدو لا شك فى عداوته، ربما كان أخطر من الأعداء السابقين لأنهم كانوا أعداء الخارج. وأعداء اليوم يستخدمون أذرع ومساعدين ومنفذين من داخل البلد للأسف الشديد. عندما استمعت ظهر يوم الجمعة الماضى للبيان رقم 1 من القيادة العامة للقوات المسلحة، الذى ألقاه العقيد أركان حرب تامر الرفاعى: بسم الله الرحمن الرحيم، شعب مصر العظيم، فى إطار التكليف الصادر من السيد رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقيادة العامة للقوات المسلحة.
كلنا نعرف ما جاء فى البيان. لكنه كان يعنى لى الركض نحو الماضى. العودة للحظة مماثلة وشبيهة قبل 45 عاماً، كان اليوم يوم سبت، وكانت الساعة الثانية بعد الظهر. وكان الشهر الهجرى هو رمضان، وكان اليوم العاشر من رمضان. وفى ميدان التحرير قُطِع الإرسال عن الراديو، وأعلن المذيع بصوت جهورى أنه جاءهم بيان مهم سيعلن بعد قليل. ثم أُعلِن البيان الذى كان يزف إلى المصريين بشرى حرب أكتوبر 1973، وبدء تحرير سيناء بعد 6 سنوات من احتلال العدو الصهيونى لها. قبل أن ينتهى البيان سمعت فى ميدان التحرير التكبيرات والتشكرات لله سبحانه وتعالى. وسمعت كلمة: تحيا مصر. قبل أن تصبح أحد شعارات أيامنا هذه.
العدو هو العدو. ولكن لا بد من كلمة عن عدو اليوم وربما لا أحتاج الكلام عن عدو الأمس الذى ما زلت أعتبره عدواً حتى الآن. سيناء كلنا نعرفها. وعبرنا إليها قبل العبور فى أحلامنا وفى خيالنا وفى قدرتنا على تصور الزمن الآتى. والعدو الصهيونى من منا لم يكن يعرفه؟ ومن منا لا يعرفه الآن؟. أما عدو اليوم فمن الصعب أن تمد يدك وتشير بأصابعك وتقول: ها هو العدو. كانت معركة الأمس محددة المكان بخرائط الجغرافيا. بل كان لدينا فى كل مدينة وقرية مهجرون من أبناء مدن القناة تم تهجيرهم بعد العدوان الصهيونى علينا. لكنها الآن حرب ضد قوى لا أقول مجهولة. كلنا نعرفها ولكن الأدوات سواء المتسللة عبر الحدود من الشرق والغرب والشمال والجنوب. أو خلاياهم النائمة فى أمكنة كثيرة من بر مصر.
لم أفاجأ ببيان القوات المسلحة ظهر الجمعة الماضى. لأن الرئيس عبد الفتاح السيسى كلَّف الفريق محمد فريد حجازى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة يوم 29/11/2017، بتنفيذ عملية تطهير شاملة لمصر من قوى التطرف والإرهاب. وحدد له ثلاثة أشهر لكى تتم المهمة بالتمام والكمال.
كلما مرت الأيام سألت نفسى عن العملية. إلى أن جاء البيان الأول وتلاه فى نفس اليوم البيان الثانى. وأدركت ساعتها أن الإعداد للمعارك ربما يستغرق من الوقت أضعاف الأوقات التى تستغرقها المعارك نفسها. وأن دراسات المخاطر لا بد أن تأخذ وقتها كاملاً لأن الحرب تختلف عن أى فعل بشرى آخر يقوم به الإنسان. فى سلوكنا اليومى قد نخطئ وقد نصيب. والخطأ ليس عيباً. والصواب ليس إنجازاً خارقاً. لكن فى حالات الحرب لا يمكنك أن تلتفت وراءك. من المستحيل أن تتدارك فعلا أقدمت عليه. ولا يدفعك رد فعل لأن تعيد النظر فيما قمت به. كانوا يقولون فى التراث العربى إن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك. وأنا أقول إن الحرب كالسيف إن لم تقطع خصمك قطعك. والبرهة وليس اللحظة ربما تفرق الكثير.
ركزوا كثيراً على سيناء باعتبارها ميدان العمليات. ولكن العمليات شملت الدلتا، التى كانت قد أصبحت ملجأ للإرهابيين الذين هربوا من ضراوة معارك سيناء وحصارها لهم إلى الدلتا. وشملت الظهير الغربى لمحافظات الصعيد التى شهدت عمليات عسكرية من قبل لتدمير أوكار المرابطين والقضاء على خلية عمرو سعد. وكلنا لا ينسى ما جرى فى الواحات أخيراً.
معظم هذه العمليات تمت عبر قوات الطيران. واستخدمت فيها طائرات حديثة انضمت أخيرا لجيشنا المصرى. بل إن الحدود البحرية كانت هناك خطة كاملة لتأمينها لأنها يمكن أن تستخدم فى التسلل لمصر. ولمصر حدود بحرية مترامية الأطراف. فحدود مصر من الجهتين الشمالية والشرقية بحرية.
أيضاً فإن الميادين الكبرى والعامة فى المدن المصرية، وليس فى القاهرة والإسكندرية وحدهما شهدت عمليات تأمين رأيناها رأى العين بأنفسنا. إذن فنحن أمام عملية عسكرية كاملة متكاملة الأركان, جرى الإعداد لها ودراسة احتمالاتها ربما قبل تكليف الرئيس السيسى للفريق حجازى بفترة. لأن علماء الاستراتيجية والحروب قالوا لنا إن المبادأة نصف الطريق إلى النصر.
أتجول كثيراً فى حقول اللغة، خاصة فى اللحظات الحاسمة من تاريخ البلاد. لفت نظرى فيمن يتحدثون مساء الجمعة فى وسائل الإعلام أنهم يخلطون عندما يتكلمون عن الهدف من هذه الحرب. البعض يقول إنها حرب ضد الإرهابيين. والبعض الآخر يقول إنها حرب ضد الإرهاب. وأن الهدف منها التأكد من خلو مصر كلها من الإرهابيين. ومرة أخرى من الإرهاب. لا بد أن نفرق بين الكلمتين: الإرهابيون والإرهاب. لأنه رغم أن أحرف الكلمتين واحدة، ربما اختلف عدد الأحرف بين هذه وتلك. لكن المعنى بين الكلمتين يمتد فى المسافة بين الأرض والسماء. ولا بد أن ندرك وأن نعى جيداً ماذا يجرى فى بلدنا الآن؟ وماذا ينتظرنا فى الأيام المقبلة؟ وماذا علينا القيام به بعد أن تسكت المدافع؟.
الفارق بين الحرب ضد الإرهابيين والإرهاب كبير. فالحرب ضد الإرهابيين تعنى الحرب ضد بشر يعتنقون فكراً ما. ويهددون أمن الوطن. ولديهم مشروعات لاغتيال حلم الحياة اليومية للناس العاديين. لكن الحرب ضد الإرهاب هى حرب ضد فكر ومعتقد - بصرف النظر عن صوابه أو خطئه ـ لذلك فلدينا الآن معركة وتنتظرنا بعدها معركة أخرى. معركتنا الآن ضد الإرهابيين، والمعركة التى تنتظرنا ضد الإرهاب. وإن كانت الأولى عسكرية، فالثانية معركة مجتمع بكامله.
نقلا عن الاهرام القاهرية