توقيت القاهرة المحلي 09:04:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أين الرواية البوليسية؟!

  مصر اليوم -

أين الرواية البوليسية

بقلم - يوسف القعيد

 ذَكَّرتنى هذه الرواية بتجربة مدهشة قام بها التليفزيون المصرى فى ستينيات القرن الماضي. لم يبق منها سوى العنوان الكبير. لكن ضاع من الذاكرة صاحب الفكرة والمخرج والممثلون والكُتَّاب. باستثناء الكاتب الذى تولى كتابة الحلقة الأولى من المسلسل، وهو نجيب محفوظ.

كان العنوان: قصة وعشرة مؤلفين. كتب نجيب محفوظ الحلقة الأولى منها. ومن الطبيعى أن يتجه إلى مسلسل: الجريمة. ليضمن تتابع الأحداث وينتقل من مؤلف إلى آخر حتى نصل إلى النهاية. وعادة فى روايات أو مسلسلات الجريمة لا تكون هناك نهاية بالمعنى المعروف الذى نجده فى الرواية العادية أو المسلسل العادي.

وهكذا بقيت تجربة الستينيات يتيمة. هل نجحت؟ لا أدري. هل فشلت؟ لا أتذكر. لكن عدم تكرارها يثير تساؤلات كثيرة. ثم إنها لم تنتقل إلى فكرة السرد والحكى والقص بعيداً عن الدراما التليفزيونية. فلم نجد عملاً روائياً واحداً منشوراً فى كتاب يشارك فى كتابته أكثر من مؤلف. ولا مسلسلاً إذاعياً ولا عرضاً مسرحياً.

تصورت مع مرور الوقت أن المناخ الثقافى والإعلامى والفكرى العام الذى كان سائداً فى ستينيات القرن الماضي. ربما كان السبب فى هذا العمل الذى بقى متفرداً ولم يتكرر مرة أخرى. لكن ما لم أستطع تصوره أن نفس الفكرة لم تطرأ لناشر كتب ولا مؤسسة ثقافية مثل نادى القصة أو لجنة القصة والرواية فى المجلس الأعلى للثقافة لمعاودة الاهتمام بها. هل هو تغير الزمان؟ أم تبدل الذائقة؟ أم أن المجتمع الذى أفرز تلك المحاولة فى الستينيات لم يعد له وجود؟. إلى أن وجدتنى أمام رواية عنوانها: البرىء وعدالة الموت. يسبق العنوان عبارة: ستة وعشرون كاتباً ولغز واحد. والعمل منشور سنة 2012 من الدار العربية للعلوم ناشرون. وغلافه الخارجى لا يحمل اسم مؤلف. ولا حتى مترجم. لكن بالداخل وبعد كلمة تأليف نقرأ: نخبة من كُتَّاب الرواية البوليسية المشاهير. وترجمه: حسان البستاني. وراجعه وحرره: مركز التعريب والبرمجة فى دار النشر.

أعترف بأن الـ 26 كاتباً الذين شاركوا فى تأليف العمل لم أسمع عن اسم واحد منهم. رغم وهم المتابعة الذى أتصور أننى حريص عليه وأقوم به باستمرار دون كلل ومن غير ملل. وعموماً فإن الرواية البوليسية تزدهر كثيراً جداً فى هذه الأيام. نجد العشرات من الروائيين ـ خصوصاً الشباب منهم ـ يكتبون الرواية البوليسية. هذا الوضع موجود فى العالم. ربما كان موجوداً عندنا.

لكن الإقبال على كتابة الرواية البوليسية ونشرها وقراءتها. هل تبعه جهد نقدي؟ يؤصل لهذا النوع من الروايات. أم أن الأمر نشر فقط؟ ثم لماذا لم يفرز هذا الكم من كتابة النص الروائى البوليسى أسماء كبيرة مثل كُتَّاب الرواية البوليسية المشاهير الذين عرفناهم فى الغرب بعد ترجمتهم.

ويُعتبر الروائى الأمريكى المؤسس إدغار آلان بو 19 يناير 1809 - 7 أكتوبر 1849. مؤسس القصة البوليسية وذلك بقصّته «جرائم شارع مورغ المنشورة عام 1841». ثم جاء بعده من كتاب الرواية البوليسية التى تشكل إضافة لما قام به الرائد الأول السير آرثر كونان دويل وأجاثا كريستى وجورج سيمنون الذين شكلوا. رموز كتابة الرواية البوليسية فى الغرب.

تبقى لديَّ معلومتان عن الرواية البوليسية قبل الكتابة عن العمل الذى أثار كل هذه المشاعر والخواطر فى نفسي. الأولى عندما زرت الاتحاد السوفيتى بعد أن أصبح اسمه روسيا. وذلك بعد انهيار التجربة الاشتراكية الأولى فى العالم. قال لى مترجمى الشاب إنه يحاول ما لم يحاوله أحد من قبل فى بلاده. إنه يجرب كتابة الرواية البوليسية.

استغربت كلامه ودُهشت منه. وتساءلت: هل كانت كتابة الرواية البوليسية ممنوعة فى الاتحاد السوفيتى السابق؟ قال لى الشاب: لم تكن ممنوعة بالمعنى الحرفى للمنع. ولكن كانت ثمة نظرة لها على أنها من فنون البرجوازية الرثة التى تلهى الشعوب عن مصائرها الحقيقية. وأن ازدهارها يعنى أن ثمة خطأ ما فى الواقع الاجتماعي. لذلك لم يحاول أحد تجريب كتابة مثل هذه الرواية. وقتها لم أكن أعرف الدكتور أنور إبراهيم عُمدة مترجمى الآداب السوفيتية سابقاً، الروسية الآن حتى أسأله عن دقة الكلام. وأيضاً خلال وجودى فى موسكو وليننجراد التى أصبحت بطرسبرج بعد ما جري. لم أجد الوقت الكافى لأسأل صديقتى ومترجمتى إلى اللغة الروسية: فاليريا كيربتشينكو عن هذه الظاهرة. وللأسف أيضاً تاه منى اسم هذا المترجم الشاب من العربية إلى الروسية لأتابع الأمر: هل احترف كتابة القصة البوليسية أم لا؟ وبالمناسبة فإن فاليريا كيربتشينكو هى والدة سفير روسيا فى مصر الآن: سيرجى كيربتشينكو.

الواقعة الثانية أن فتحى غانم ـ وهو من هو ـ قال لى إنه كان يريد أن يجرب كتابة الرواية البوليسية. ولم لا؟ سأل نفسه قبل أن يسألني. وأنه كتب روايته: من أين؟ كنوع من ممارسة حقه الذى لا يناقشه أحد فى أن يجرب شكلاً أدبياً يخشى الكثيرون من الاقتراب منه.

قرأت الرواية أيامها. والذاكرة بقدر ما تحفظ لنا تجارب العمر وذكريات الحياة. فهى قد تكون خَوَّانة. وقد قرأت أن أقوى ذاكرة عرفتها البشرية هى ذاكرة الأفيال. وأن أضعف ذاكرة وجدت هى ذاكرة الأسماك. ولا أريد الاستطراد فى أمور أرددها وإن لم تُتح لى فرصة التأكد منها.

رواية من أين تدور أحداثها قرار سياسى اتخذ فى أواخر خمسينيات القرن الماضى أو أوائل الستينيات. بتغيير العملة المصرية. شكلها وطباعتها واعتبار أن الموجود منها فى الأسواق كأنه لم يكن. وطرح عملات جديدة ربما كانت هى الموجودة والسارية حتى الآن.

قيل وقتها إن الجنيه المصرى كان يتعرض لمؤامرة غربية. أو أنه جرى تزويره بكميات مهولة للتأثير على الاقتصاد المصرى كجزء من حروب الغرب مع تجربة عبد الناصر فى بناء مصر الحديثة. وفتحى غانم تدور روايته حول مجموعة تُهَرِّب أموالاً خارج مصر. ثم تفاجأ بمثل هذا القرار السياسى الذى ربما كانت له مبرراته الوطنية التى لا بد من الاستجابة لها. لكن أيضاً قد تكون له آثار جانبية فى أسواق المال وأمام صُناع الجريمة من المهربين.


نقلا عن الاهرام القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أين الرواية البوليسية أين الرواية البوليسية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon