بقلم - يوسف القعيد
صباح اليوم يكتمل قرن على ميلاد عبد الناصر، لست متخصصاً فى الأرقام، وربما لا أجيد التعامل معها، لن أتعب نفسى وأدوخ القارئ بما تعنيه المائة سنة من شهور وأسابيع وأيام وليالٍ وساعات ودقائق، لكنه قرن يكتمل ـ هنا والآن ـ على ميلاد عبد الناصر. وفى اللحظة التى تقع فيها عينى القارئ الكريم على صحف صباح اليوم تنظم لجنة مئوية عبد الناصر زيارة لضريحه، ليسوا هم الزوار، لكنهم سيكونون فى خدمة الزوار، واللجنة ـ للتاريخ فقط ـ يقف وراءها محمد فايق وسامى شرف، أما الدينامو المنفذ فهو الدكتور مجدى زعبل، العالم الذى لم يأخذه العلم من الحياة فى الندى والطل الذى تركه عبد الناصر قبل نصف قرن. التجمع أمام ضريح عبد الناصر من التاسعة إلى الحادية عشرة صباحاً، ثم التوجه إلى دار الأوبرا لحضور حفل افتتاح المئوية الرسمى الساعة 12.30 بحضور الوفود العربية والأجنبية وممثلى البعثات الدبلوماسية بالقاهرة، ورؤساء الأحزاب السياسية والفلاحين والعمال والجمهور بالمسرح الكبير بالأوبرا. ثم يعرض الفيلم السينمائي: ماذا لو عاش عبد الناصر، من إخراج أحمد فؤاد درويش، أنتج لعرضه فى مئوية عبد الناصر.
فى اليوم التالى تقام فى الأوبرا صباحاً الندوة الفكرية لمشروع عبد الناصر، فى مبنى مركز الإبداع الفنى بالمجلس الأعلى للثقافة، حيث يتحدث المتحدثون حول المحور السياسي، والمحور الاقتصادي، والمحور الثقافى للمشروع الناصري، المتحدثون لن يقتصروا على المصريين. ولكن من الضيوف سواء من الوطن العربى الشقيق، أو من الأمة الإسلامية، أو إفريقيا أو العالم الخارجي. وفى المساء يقام بدار الأوبرا بقاعة المسرح الكبير احتفال غنائي، تقدم أغانى زمن عبد الناصر التى كتبها شعراء عصره ولحنها ملحنوه، وغناها مطربو زمنه: عبد الحليم حافظ، وأم كلثوم، وعبد الوهاب. برنامج الغناء شارك فى اختياره مع الدكتورة إيناس عبد الدايم، الفنانة ورئيس دار الأوبرا ووزير الثقافة: محمد الخولي، الإعلامى والمتذوق الأساسى للفنون المصرية والمتابع الدؤوب لما كان يقدم فى زمن عبد الناصر، عمل فى سكرتارية عبد الناصر، ستكون ليلة مع أغانى الثورة، ولن يتم الاكتفاء بالأغانى التى غنوها لعبد الناصر، كان الرجل يعتبر مصر قبله ومصر بعده، ومصر هى الجوهر والأساس.
يوم الأربعاء يتوجه المحتفلون لزيارة متحف عبد الناصر، المتحف الذى قرر وزير الثقافة السابق حلمى النمنم افتتاحه مجاناً للجماهير، ابتداء من اليوم، وبعد زيارة المتحف وتفقد ما فيه سيلتقون مع عبد الحكيم عبد الناصر، لقاء مفتوح لطرح تساؤلات مستقبل التجربة الناصرية عليه والاستماع لما يمكن أن يقدمه من رؤى وتصورات وأحلام، المهم طرح قضية: كيف يصبح جمال عبد الناصر مشروعاً للمستقبل؟ لن يتم الاكتفاء باللقاء، لكن سيكون هناك تخت موسيقى يجعل المستمعين يستعيدون مرة أخرى بالكلمة واللحن والغناء للزمان الناصري.
معرض القاهرة الدولى للكتاب تبدأ فعالياته 27 يناير، سيقدم برنامجاً خاصاً للاحتفال بعبد الناصر، أعده الدكتور هيثم الحاج علي، ولجنة من المثقفين، تقام 14 ندوة للمفكرين والسياسيين ومن يتحدثون عن تجربة عبد الناصر، حتى لو كانت هناك رؤى مختلفة، أو كلام ممكن أن يشتبك مع التجربة الناصرية، أو من يحاول أن يرى الوجه الآخر للصورة. سيعرض فى المعرض 20 فيلما تسجيليا عن عبد الناصر، من أهم ما قدمته السينما التسجيلية عن عبد الناصر، سواء فى حياته أو بعد رحيله، فقد عاصر عبد الناصر أجمل ما قدمته السينما التسجيلية المصرية والعربية والعالمية، والإنتاج السينمائى التسجيلى والروائى عن عبد الناصر لم يكن اختراعاً مصرياً فقط، لكنه شمل كثيرا من عواصم العالم، وجذب سينمائيين ليسوا مصريين فقط، ولكنهم غير مصريين أيضاً.
قرر أحمد عواض، رئيس هيئة الثقافة الجماهيرية إقامة مخيم ثقافى فى معرض الكتاب، تقام فيه فاعليات عن عبد الناصر، لكن الأهم سيكون فى المحافظات والمراكز، بل ربما القرى والكفور والنجوع، ابتداء من سواحل الأبيض المتوسط حتى أسوان، ويجب ألا ننسى أن الثقافة الجماهيرية خرجت للوجود فى زمن عبد الناصر، وانطلقت فى أيامه، وكانت حلماً مهماً لوصول الثقافة لكل المصريين. لكل جهد بشرى فلسفته ورسالته، والبيان الذى أطلقته لجنة مئوية تخليد عبد الناصر، وكتبه الدكتور عبد الحليم قنديل، الناصرى المعروف، ورئيس تحرير جريدة صوت الأمة، وقد عبر فيه عن مجمل الآراء التى تناولتها اللجنة فى اجتماعاتها المطولة، تبدأ هكذا:
- لا نبكى على قبر، ولا نغرق فى ماض، بل نسعى فى استرداد المستقبل، فلم يكن جمال عبد الناصر تاريخاً منتهياً، ولا تجربة عبرت، بل عنوان لمشروع نهوض جامع تكونت عناصره تباعاً وفى اضطراد مع يقظة مصر وأمتها العربية على هوان أوضاعها فى العالم الحديث واستيلاء الزحف الاستعمارى على أراضيها ومقدراتها وهويتها. ولأنه مشروع للمستقبل، فإن البيان يؤكد أن الشعب المصرى لا يموت، لأن الشعوب لا تفنى ولا تزول، وهو ما يفسر الظهور الكثيف لصور عبدالناصر وحدها فى 25 يناير 2011 وموجتها الأعظم فى 30 يونيو 2013، التى خرجت فى كل مكان من بر مصر، وبأعداد تتجاوز الـ 35 مليوناً تطالب المشير عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع «وقتها» بقبول الترشح رئيساً لمصر، بعد تجاوزات وأهوال سنة حكم الإخوان التعيسة والحزينة. الثورات فى حياة مصر ليست حوادث عابرة، بل جوهر مستكن، يطفو إلى سطح الوعى فى لحظات التحرك واليقظة، هذا هو درس الأمس واليوم والغد، وتلك هى سيرورة التاريخ المصرى منذ فجر التاريخ وحتى لحظة الكون الأخيرة.
ما من زعيم يمكن أن نراه فى شعر زمانه مثله، أنشد عنه محمود درويش:
- نعيش معك/ نسير معك/ نجوع معك/ وحين تموت/ نحاول ألا نموت معك/ ففوق ضريحك ينبت قمح جديد/ وينزل ماء جديد/ وأنت ترانا/ نسير/ نسير/ نسير.
وأنشد عبد الرحمن الأبنودي:
- فى قلبه كان حاضن أمة/ ضمير وهمة ومبادئ ساكنين فى صوت عبد الناصر/ ملامحه رجعت بعد غياب/ دلوقتى بس اللى فهمناه/ لا كان حرامى ولا كداب.
وقال الجواهري:
- كان عظيم المجد والأخطاء.
وقال نزار قباني:
- قتلناك يا آخر الأنبياء
نقلا عن الاهرام القاهريه