تثير معرض الكتب فى خيالى أمرين: الكتب والندوات. فى قديم الزمان عندما كنا فى الشباب الذى ولى ولن يعود. كنا نذهب لنحضر ندوات الأساتذة الكبار والمعلمين الأوائل. وبعد أن ولى زمانهم ترددنا على ما يقوله المجايلون فى ندواتهم. وأصبنا بداء الأنا. وقاك الله شر الأنا وما يمكن أن تجره عليك. أصبحنا فى مربع النرجسية. لا أخجل من الاعتراف بها. والاعتراف سيد الأدلة. أصبحنا نذهب إلى المعرض عندما تكون لدينا ندوة أو لقاء أو حفل توقيع نتحدث فيه. لا تقل لى أن حفلات التوقيع تكون للتوقيع فقط. حولوها مؤخراً لندوات. مع أن من يحضرون يكون هدفهم الحصول على نسخة من الكتاب موقعة بيد المؤلف. جميع الحاضرين لم يقرأوا الكتاب. جاءوا بهدف الحصول عليه. لاحظت على حفلات التوقيع فى الفترة الأخيرة خلوها من الحضور. لدرجة أن بعض دور النشر. نقلتها من أجنحة الدار سواء أجنحة العرض أو أجنحة البيع إلى أماكن مخصصة للندوات. وهدف الحفلات البيع، وربما لا يستمع الجمهور لما يقال. فأفراده يحضرون متصورين أنهم قد يحصلون على نسخ من العمل هدايا. وعندما يكتشفون البيع والشراء يتسللون. ومعهم آلاف الأعذار. فالأزمة المالية خانقة، وأسعار الكتب خصوصاً التى تأتى من خارج مصر لا يقدر عليها أحد.
حفلتان من حفلات التوقيع كانتا مخصصتين لكتابين عن المرحوم الأستاذ هيكل. حضرت واحدة، ولم أتمكن من حضور الثانية. التوقيع الذى لم أحضره كان لكتاب عبد الله السناوي: أحاديث برقاش.. هيكل بلا حواجز. كنت حريصاً على أن أكون هناك من أجل الغائب الحاضر الأستاذ هيكل والمؤلف. لكن ظروفاً منعتنى من ذلك.
كتاب خالد عبد الهادي: علامات على طريق طويل.. هيكل لمحات إنسانية. نشره مركز الأهرام للترجمة والنشر. وخالد عبد الهادى له حكاية مع الأستاذ هيكل. توجها بالكتاب الذى حكى فيه ما يمكن أن يحكيه وقال ما يجوز قوله عن تجربة هيكل من خلال علاقته الشخصية والإنسانية به.
هل أمارس حقى أو حقى المغتصب - وأكتب عن ندوتين حضرتهما متحدثاً بالطبع؟ أليس فى هذا أنانية؟ أعترف. ألم يقولوا فى قريتنا: خلق الإنسان من طمع. وأن البنى آدم لا يملأ عينيه إلا التراب. الندوة الأولى كانت عن نجيب محفوظ بمناسبة مرور 30 سنة على حصوله على جائزة نوبل، التى حصل عليها 12 أكتوبر 1988، كانت فى القاعة الرئيسية. وفى اليوم الأول بعد الافتتاح. وكان الحضور كثيفاً.
شارك فى الندوة الدكتورة أمانى فؤاد، الناقدة الأدبية المعروفة. والدكتور خيرى دومة، أستاذ الأدب العربى بجامعة القاهرة. والدكتور رضا عطية، الباحث والناقد الشاب وصاحب كتاب نقدى عن محفوظ. ليس هدفى استعراض ما قلته ولا ما قاله الزملاء ولا حتى تساؤلات الحضور التى أثارت دهشتي. فيبدو أن التواصل الإنسانى أصبح عزيز المنال. لأن من يأتون من آخر الدنيا ويجلسون لحضور ندوة ولهم الشكر على هذا تشغل كل منهم قضية ما أو هم من الهموم يجعله عندما يتكلم ربما يأتى كلامه فى أبعد مكان عما يقوله المتحدثون. وهى قضية تؤرقني. لأنها تشير لغياب التواصل الإنسانى والتحاور الفكرى فى حياتنا.
الندوة الثانية كانت عن عبد الناصر، حسب العنوان كان من المفترض الحديث عن قوة مصر الناعمة فى زمن عبد الناصر باعتبار أن القوة الناعمة أحد عناوين المعرض وكان من المفترض أن يدور الكلام على الإعلام فى زمن عبد الناصر. ولكن ما نخطط له أمر وما يحدث فى الواقع قد يكون أمراً آخر. لا أعرف كيف جرى الكلام عن الثقافة فى الفترة الناصرية. ولا عن المثقفين فى الزمن اليوليوي.
شارك فى الندوة الدكتور مجدى زعبل، أمين احتفالية قرن على ميلاد عبد الناصر. ومحمد الخولي، عاصر عبد الناصر وعمل معه. والكاتب الصحفى محمد الشافعي، المهتم بالشأن العام ويتوقف طويلاً أمام تجربة عبد الناصر.
ضبطت نفسى متلبساً بالرفض والغضب وعدم الراحة عندما تحدث الجمهور مركزاً على ما يتصورون أنه سلبيات التجربة الناصرية. هل يندرج ذلك تحت عنوان ردود الأفعال؟ على ما قلناه وانطلق من رؤية ما نحب أن نراه فى التجربة. وعندما نفاجأ برد فعل من الجماهير لا بد أن ندرك أنه الصواب. ولا نناقشه ولا ننزعج منه. ولكن نتعامل معه كحقيقة واقعة.
إهتمامى بما قيل عن تجربة الحريات فى الزمن الناصري، وعن حقوق الإنسان فى تلك الأيام. وعن الوحدة مع سوريا. وعن انفصال السودان. دهشت لأن من تحدثوا لم يكونوا من المعمرين أمثالي. بل كانوا من شباب الشباب. صغار السن. والشابات بينهم أكثر من الشباب. رأيت أن مجرد اهتمام الأجيال الطالعة التى لم تعاصر عبد الناصر بتجربته يعتبر إنجازاً وأى إنجاز.
يبقى الكتاب، خير جليس فى الزمان. مطارد الوحدة ورغم أنه ورق مطبوع. إلا أن الدفء النفسى الذى يشيعه لديَّ لا يساويه أى دفء آخر يمكن أن يجده الإنسان فى صقيع الوحدة وفى صمت محاورة الذات عندما يخلو الإنسان إلى نفسه هارباً من الآخرين. ليس لأن أحد فلاسفة الوجودية قال: الجحيم هو الآخرون. ولكن لأسباب أخرى كثيرة لا أحب أن ألهث وراءها حتى لا يتوه منى الأمر.
سأكتب عناوين الكتب فقط، معترفاً أنه تقصير فادح مني. وإن كانت فى العمر بقية قد أعود لها مرة أخرى لأشرك القارئ معى فى لذة الاستمتاع بالقراءة. أول الكتب: صوت الإمام.. الخطاب الدينى من السياق إلى التلقي، للدكتور أحمد زايد. آخر عنقود فى شجرة علماء الاجتماع فى مصر الآن. وكتاب: أغرب القضايا، لبهاء الدين أبو شقة. الوفدى والبرلمانى والمحامى الذى يتعامل مع الدنيا من أرضية الدفاع عن الآخرين. كان كتاب بهاء أبو شقة حلقات فى الراديو بنفس العنوان. ومن الأردن جاءنى كتاب: رسائلنا ليست مكاتيب. بين مؤنس الرزاز وإلياس فركوح. قدمه فيصل دراج. عن دار أزمنة، أهم دور النشر العربية. وصاحبها الروائى إلياس فركوح. هاتفنى لن يحضر المعرض لارتفاع كلفة الاشتراك ومشكلات تعويم الجنيه وقلة ما يباع من الكتب.
نقلا عن الاهرام القاهرية