توقيت القاهرة المحلي 10:24:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القرارات الاستراتيجية فى زمن الحرب

  مصر اليوم -

القرارات الاستراتيجية فى زمن الحرب

بقلم - عبد المنعم المشاط

من أصعب المسئوليات الملقاة على عاتق الحكومات فى مختلف الدول صنع واتخاذ القرارات الاستراتيجية، وهى تلك المتعلقة ببقاء الدولة ومصالحها القومية العليا وأمنها القومى والارتقاء بجودة حياة مواطنيها، وإذا كانت تلك المسئوليات صعبة فى الظروف العادية؛ فهناك بالتأكيد معضلة معقدة فى زمن الحرب، فالدول تحدد مصالحها وأهدافها فى ضوء مواردها وقدراتها وتشمل علاقاتها بالدول الأخرى، ولذلك تسعى الدول جميع إلى العيش فى وئام وسلام وتغليب التعاون على الصراع وما قد يؤدى إليه من حروب مدمرة، تعوق تحقيق المصالح القومية العليا.
بيد أن العالم لا يسير على هذه الأمانى، لأن جزءا كبيرا من العلاقات الداخلية والدولية يقوم على الإدراك، والذى قد لا يتوافق مع الحقائق السياسية والظروف الاقتصادية، ومن ثم؛ يتحكم أحيانا سوء الإدراك فى العلاقات بين الدول، ومع ذلك تحاول الدول أن تنأى بنفسها عن تصعيد التوتر الناجم عن سوء الفهم، وبالرغم من أن الدول عبارة عن مؤسسات ومسئوليات ومواطنين يتفاعلون معا وقت الشدائد؛ فإن العديد من الدول لجأت إلى إنشاء ومؤسسات خاصة للتعامل مع المواقف التى ترقى إلى الأزمات وتحاول تقديم بدائل لصناع القرار؛ ففى عام 1947، أنشأت الولايات المتحدة مجلس الأمن القومى، والذى يسعى إلى تقديم بدائل وسيناريوهات لرئيس الدولة عند الضرورة، وقامت دول عديدة بإنشاء مجالس مماثلة. وظيفة هذه المجالس وغيرها من المؤسسات ذات الصلة ربط أهداف الدولة بمواردها وقدراتها ومحيطها الإقليمى والدولى، ووزن الاختيارات بموازين غاية فى الدقة والحساسية، وإلى أى مدى تحقق مصالح الدولة وتحد من المخاطر التى تواجهها.
•••
تثير الحرب الروسية الأوكرانية أسئلة صعبة حول كيفية صناعة واتخاذ القرارات المصيرية لطرفى الحرب، وكذلك الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها، هل درس رئيس أوكرانيا زيلينسكى قرار الدخول فى حرب مع روسيا دراسة متأنية وكافية؟ وهل فصل شرق وجنوب أوكرانيا وتدمير البنية التحتية يعد ثمنا معقولا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبى وحلف الناتو؟ وهل راهن على التورط المباشر لحلف الناتو فى الحرب الدائرة اليوم؟ وهل اعتقد أن تدفق الولايات المتحدة إلى البنك المركزى الأوكرانى وتوريد الأسلحة من أوروبا والولايات المتحدة يمكنه من هزيمة روسيا؟ أم أنه قد غالى فى تقديراته وقدراته، وقلل من القدرات الروسية سواء العسكرية أو الاقتصادية؟ لا شك أنه بعد أربعة أشهر من الحرب الضروس، والتى لا توجد أية مؤشرات لاحتوائها أو إنهائها، يمكن القول بأن الرئيس زيلينسكى قد أساء التقدير باتخاذه قرارا بالحرب لا يمكن أن يكسبها ومن العسير أن تنضم إليه دول أخرى إلا إذا اتخذت قرارات استراتيجية غير رشيدة.

أما بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا، بالفعل هناك معضلة كبيرة تواجهها؛ فلا يمكن أن يصمتا على تهديد روسيا لأوكرانيا واحتمالات ضمها فى حالة تحقيق انتصار ساحق عليها؛ لأن ذلك يشكل سابقة خطيرة تهدد الأمن الأوروبى وتهدد الدور العالمى للولايات المتحدة، من ثم؛ يجب تطويق روسيا واحتواؤها وإجهادها وإفشال جميع خطط الرئيس بوتين لإعادة مجد الإمبراطورية الروسية، بيد أنه لا يمكن المغامرة بالدخول فى حرب مباشرة مع روسيا خشية تصاعدها إلى حرب نووية تقضى على الجميع، ولكن يمكن استخدام أوكرانيا للحرب بالوكالة عنها، ويمكن كذلك فرض حزمة معقدة من العقوبات الاقتصادية على روسيا تستهدف إفقارها وتجويع شعبها وعزلها فى حرب استنزاف لا تقدر عليها، والسؤال هل درست الولايات المتحدة وأوروبا انعكاس تلك العقوبات على مواطنيها أنفسهم فى ضوء اعتماد أوروبا بصورة كبيرة على النفط والغاز الطبيعى الروسى؟
أثبتت الشهور الأربعة المنصرمة أن هناك مبالغة غربية فى تأثير العقوبات القاتل على روسيا، وسوء تقدير لآثار تلك العقوبات على الشعب الأمريكى وشعوب أوروبا، بالفعل ارتفع معدل التضخم وزاد معدل البطالة، واختفت سلع استهلاكية مهمة من أماكن بيعها وارتفع سعر الوقود، وبدأ الانكماش فى الظهور، واضطرت سلاسل بيع مهمة وعالمية إلى إغلاق فروع عديدة لها والاستغناء عن العاملين بها، بل إن العقوبات والغموض حول مد أوروبا بالنفط والغاز الطبيعى الروسى من عدمه أدى إلى ارتفاع ثمن الوقود بصورة زادت من الموارد المالية لروسيا ودفعت إلى تقوية الروبل فى مواجهة العملات الأخرى، من الواضح أن عملية صنع واتخاذ القرارات الاستراتيجية المتعلقة بالحرب الدائرة الآن لم تكن بالرشادة المتوقعة؛ فليس هناك ما يشير إلى تحقق أية مصالح قومية عليا للولايات المتحدة وأوروبا حتى اليوم، على العكس تماما؛ فقد انتهى الأمر إلى تجزئة أوكرانيا واستحالة انضمامها إلى حلف الناتو إذا كان انتهاء الحرب هدفا مهما لهذه الأطراف. فى ظل هذا المناخ الضبابى، انعقدت مجموعة السبع الكبرى وحلف الناتو، وصدرت عنهما قرارات استراتيجية مضمونها ينطوى على التودد إلى دول الجنوب تطويقا للصين وروسيا، واعتبار روسيا العدو الرئيسى لتهديد الأمن الأوروبى والأمريكى، هذا فضلا عن الالتزام غير المحدود بمساندة أوكرانيا فى الحرب الدائرة الآن، ولقد أضافت تلك القرارات إلى حالة الاستقطاب الدولى الحادة، والتى كانت قد خفت حدتها بعد سقوط الاتحاد السوفييتى عام 1990.

حينما اتخذ الرئيس بوتين قراره الاستراتيجى بالعمليات العسكرية ضد أوكرانيا كان يستهدف أولا إثناء الغرب عن ضم دول الجوار إلى الناتو لما يشكله ذلك من تهديد صريح للأمن القومى الروسى، وهو الذى اعترض من قبل على قيام الولايات المتحدة بنشر صواريخ متوسطة وطويلة المدى فى دول شرق أوروبا، وثانيا يستهدف بوتين إعادة تشكيل قيادة النظام الدولى بما يزيد من الدور العالمى لروسيا ويسمح بدور أقوى للصين، الحليف غير المعلن، وهما يقودان مجموعة البريكس، والتى أنشأت مؤسسات موازية للبنك الدولى وصندوق النقد الدولى، وتضم كذلك الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل، وثالثا يستهدف دفع الولايات المتحدة إلى التركيز على الداخل الأمريكى وحسر نفوذها العالمى فى نطاقها الجغرافى، كما فعل الرئيس السابق ترامب حين دافع عن «أمريكا أولا»، حتى الآن وبالرغم من الخسائر الاقتصادية والعسكرية لروسيا إلا أنها لم تخسر المعركة حتى مع الولايات المتحدة وأوروبا.
فى خضم الحرب وتداعياتها المدمرة، كأزمة الغذاء والطاقة واضطراب خطوط الملاحة الدولية وانكماش حجم التجارة العالمية؛ فإن دول العالم الثالث وجدت نفسها فى حاجة إلى صنع واتخاذ قرارات استراتيجية مهمة ليس من بينها مع أى فريق تقف وتساند نظرا لحساسية أية خطوة فى هذا الصدد. هذه الدول هى الأكثر عرضة للخطر نظرا لاعتمادها على استيراد الغذاء والوقود والسلع والمواد الوسيطة للصناعة، ونظرا لافتقارها إلى العملات الأجنبية واعتمادها فى علاقاتها الخارجية على مدى توافر السلم والأمن الدوليين.
فى ظروف مختلفة كان يمكن أن تعيد هذه الدول روح عدم الانحياز وتلعب دورا إيجابيا فى تقريب وجهات النظر بين أطراف الصراع، وكان يمكن أن تنمى العلاقات البينية بصورة تحد من الآثار السلبية للحرب، بيد أن ظروف الاستقطاب الدولى الحاد، والحاجة الملحة إلى توفر السلع للمواطنين لم تسعف هذه الدول كى تلعب دورا أكثر إيجابية فى حرب لن يكون فيها منتصرا، ومع ذلك، وفى إطار ما يمكن أن تتمخض عنه الحرب بين إعادة تشكيل النظام الدولى. يمكن لهذه الدول أن تعيد ترتيب أدوارها وتتخذ قرارا استراتيجيا بالتكامل الاقتصادى فيما بينها انطلاقا من تكثيف الاعتماد المتبادل والتنسيق فى المواقف بين الأطراف المتصارعة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القرارات الاستراتيجية فى زمن الحرب القرارات الاستراتيجية فى زمن الحرب



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس
  مصر اليوم - فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon