بقلم - نصر محمد عارف
فى مجتمعات لا تعتمد على العلم فى إدارة شؤونها، ولا توجد فيها مراكز أبحاث، أو مراكز لقياس الرأى العام، وإجراء المسوح الاجتماعية، وفوق كل ذلك لا تعرف مفهوم بيوت الخبرة think-tank، التى تعتمد عليها الدول الحديثة فى صناعة السياسات والقرارات، ورسم خرائط المستقبل، وطرقه المختلفة والمتنوعة، وتحديد أى من تلك الطرق يجب أن تسلك الدولة والمجتمع، فى هذه المجتمعات التى تعيش فى مرحلة وسط بين التخلف والحداثة، بين البدائية والتحضر، ولا تعرف أين تقف، ولا الى أين تتجه ... هناك من المثقفين أو الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعى من يدعون أنهم يقررون باسم الشعب، وينصبون أنفسهم متحدثين باسم الشعب، وهم من يرفع شعار الشعب يريد.... فى مقابل هؤلاء الناشطين السياسيين والمثقفين؛ الذين تربعوا على مواقع صحفية أو تليفزيونية أو مناصب رسمية؛ فنالوا صفة الثقافة بغض النظر عما فى عقولهم ونفوسهم، فى مقابل هؤلاء هناك فريق آخر من تجار الدين، الذين اختاروا قرصنة دين الله، وتحويله الى ملكية خاصة بهم، وبجماعاتهم، يوظفونه لتحقيق أهدافهم الدنيوية، ويفرغون من خلاله كل العقد النفسية التى ترسخت فى نفوسهم؛ نتيجة تربية فاسدة، حولتهم الى أشخاص يعشقون السلطة والسيطرة والتحكم فى نفوس البشر، والسيطرة على حياتهم اليومية، واغتصاب إرادتهم الشخصية، ..هؤلاء المرضى النفسيون يدعون فى المقابل أنهم يقررون نيابة عن الله سبحانه وتعالي. وبذلك صار المجتمع بين فصيلين: أحدهما يقرر نيابة عن الشعب، والآخر يقرر نيابة عن الله، ثم ظهر فصيل يجمع السوءتين معاً فهو يقرر نيابة عن الشعب، وفى ذات الوقت يقرر نيابة عن الله سبحانه، وهؤلاء هم الذين يُطلق عليهم جماعات الإسلام السياسي، والأصح أن نطلق عليهم جماعات التوظيف السياسى للإسلام. وصار هذا الفصيل أو هذه الجماعات هى أكثر من يحمل شعار الشعب يريد.... ويوظفه لتحقيق أهدافها السياسية، وتفريغ كل عقدها النفسية. هذه الفصائل الثلاثة، لم تقدم لنا دليلاً واحداً يجيب على أى من السؤالين الجوهريين فى هذا الشأن وهما:
أولا: كيف نعرف يقيناِ أنكم مفوضون لتعبروا عما يريده الشعب أو يريده رب الشعب؟ هل أنتم ممثلون عن الشعب مثلاً؟ وهل لديكم وكالة عنه؟، أم أنكم كأشخاص جئتم من كل مكان فى الوطن، من كل قرية ونجع وحى وشارع وحارة؛ ولذلك أنتم أعلم بحكم معيشتكم ومعاشرتكم للشعب بما يريده الشعب؟، وكذلك كيف نثق أنكم تعبرون عما يريده الله؟ هل فى دينكم ما يعطيكم حق احتكار كلمة الله، وتملك حق التعبير عنها دون باقى المؤمنين بهذا الدين؟ أم أن لديكم وحيا جديدا؟... حقيقة لم تقدموا لنا ما يعطيكم شرعية الحديث باسم الشعب، أو باسم رب الشعب، فأنتم مجموعة من البشر جاءوا فى الغالب من كليات جامعية معينة، فى فترة زمنية معينة، ولا تمثلون كل المجتمع، بل لا تعرفون أكثر من 90% من مناطق مصر، ولا علاقة لكم بها، وكذلك لا يوجد منكم من يملك حق التعبير عن الله، فلا أنتم أهل علم بالدين، ولا أهل ولاية، فلا يظهر عليكم وقار العلم ولا جلال الإيمان، وإنما نرى فيكم بشرا مسعورين على الدنيا، طامعين فى مناصبها ومزاياها.
ثانيا: هل لديكم من دليل تقدمونه لنا كبشر مطلوب منا أن نسلم لكم أن هذا ما يريده الشعب، أو يريده رب الشعب؟ بعبارة أكثر مباشرة هل لديكم من الأدلة العلمية التى تعارف عليها البشر ما يعطيكم مصداقية التعبير عن الشعب أو عن رب الشعب؟ هل تملكون من مؤسسات قياس الرأى العام، وأدواته ما يجعلكم واثقين أن هذا ما يريده الشعب؟، وهل لديكم من العلم الشامل الذى قد يحيط بكل مراد الله سبحانه فى الوحى المنزل من عنده على رسله؟ ... الحقيقة أن كل ما تقولون إنه إرادة الشعب ورب الشعب هو طموحاتكم أنتم، وأحلامكم أنتم، ورغباتكم أنتم، والشعب قد يريد شيئا آخر، لن نعرفه الا إذا اعتمدنا الوسائل العلمية فى قياس رأى الشعب، ومعرفة ما يريده الشعب، وهذه تحتاج الى مسوح اجتماعية، وقياسات رأى عام، وإحصائيات على مدى زمنى طويل.... ونفس الأمر لن نستطيع أن نصل الى ما يريده رب الشعب الا بمعرفة واسعة، وعمل علمى تحليلى ضخم يجمع عليه علماء العصر بعد استقراء الوحي، يصلون من خلاله الى مراد رب العباد من العباد. وطالما لم نتحقق أنكم مخولون للتعبير عن الشعب أو عن ربه، أو أن ما تقولونه هو مراد ورغبة الشعب، أو أوامر رب الشعب فأنتم إذن مدعون مغتصبون لإرادة الشعب ورب الشعب، ولا يحق لكم أن تقولوا مرة أخرى ...الشعب يريد... لأنكم نصّابون مزيفون مدعون.... عرفنا أنكم ترفعون شعار الشعب يريد، وفى الحقيقة أنكم تنفذون إرادة من يدفع لكم، وينفق عليكم.... فقد جربناكم مرة، وعرفنا حقيقتكم، ولن نلدغ من جحركم مرتين.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع