توقيت القاهرة المحلي 11:54:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سيبقى الفساد.. ما بقى هؤلاء!

  مصر اليوم -

سيبقى الفساد ما بقى هؤلاء

بقلم - نصر محمد عارف

تتأسس المجتمعات على قاعدتين هما: الأخلاق والقانون، وتتلخص رسالة الأديان فى تنظيم حياة الإنسان فى وسيلتين هما: القيم والشريعة، وبالجمع بين رسالة السماء وحكمة البشر - التى هى نفسها نابعة من رسالات السماء المتتالية ـ تتطابق الأخلاق مع القيم، والقانون مع الشريعة، فكل منهما يعبر عن نفس الحقيقة، ويسعى لتحقيق نفس الأهداف. ولكن ينبغى الانتباه الى عدم التساوى بين القيم والأخلاق من جانب، والشريعة والقانون من جانب آخر، وذلك لأن القيم والأخلاق من المفترض أن تغطى أكثر من تسعين فى المائة من حياة الإنسان والمجتمع، فهما الأصل، وهما الحياة، وهما الروتين اليومى للإنسان فى المجتمع، أما الشريعة والقانون فهما السياج أو حدود المجتمع، أو الاستثناء الذى لا يحتاج اليه إلا من فقد الأصل، أو تجاوز فى حق المجتمع، أو تعدى على أخيه الإنسان، أو أخطأ فى حق نفسه.

لذلك فالأساس والأصل فى حياة المجتمعات هو القيم والأخلاق، ولا تستقر الشريعة فى المجتمع، ولا يسود القانون إلا إذا تحول كل منهما الى قيمة وخلق إنسانى واجتماعى، يستحى الإنسان من مخالفته، ويفقد مكانته الاجتماعية إذا خرج عنه، ولعل من ينظر فى حياة المجتمعات الغربية واليابان مثلا يستعجب من سلوكيات الناس شديدة الانضباط، وقد لا يعرف أن السر فى ذلك هو أن القانون تحول الى ثقافة، وأصبح قيماً اجتماعية، وأخلاقيات فردية، أما عندنا فالقانون فى المحاكم والشريعة فى المساجد والمؤسسات الدينية، والأخلاق تأتى من مصادر أخرى لا علاقة لها بالأخلاق ولا بالقيم. ومن الثابت والمستقر فى عند علماء الاجتماع والثقافة والإنسان أن القيم لا يتم تعلمها بالوعظ، والكلام مهما كان بليغاً ومؤثراً، وإنما تتم تربية الإنسان عليها من خلال القدوة، والملاحظة والمعايشة؛ سواء من الوالدين أو الأقارب أو الجيران، أو باقى المؤسسات الاجتماعية التى يتعامل معها الطفل والشاب، وأن أعظم مصدر للتربية على القيم، والتدريب عليها، واستبطانها هو أن يشاهدها الإنسان حية تسعى، ويعايشها، ويعيش معها وبها وفيها، فقيمة الكرم لا يتعلمها الإنسان بالشعر والنثر والبلاغة، وإنما يحتاج أن يعيش مع الكريم، ويتعامل مع الكريم، ويحب الكريم، فيتخذه قدوة له...إذن الكلمة المفتاح هنا هى القدوة.

القدوة هى كلمة السر، والمفتاح السحرى لكل منظومات القيم والأخلاق، لذلك كان الرسل عليهم السلام قدوة، ومثلاً أعلى للأمم التى أرسلوا اليها، وكذلك كان المصلحون الكبار، والقادة العظام فى تاريخ الأمم قدوة ونموذجاً ومثلا أعلى فيما يعلمونه للناس، ولم تستمر دعوة ورسالة إلا من كان قدوة فيما يدعو الناس إليه، ونموذجاً ومثلاً أعلى فيما يطلب من الناس عمله وإتباعه، ومن لم يفعل ذلك ضاعت دعوته، واندثرت كل تعاليمه، لأنه لم يقدم القدوة للناس، ولعلنا جميعاً نذكر مدرساً، أو أستاذاً جامعياً، أو جاراً كان قدوة لنا، ترك فينا أثراً يستحيل محوه من أخلاقناً وقيمناً، وفى نفس الوقت لعلنا لا نستطيع حصر عدد المرات التى صرخ فينا واعظ أو خطيب بأن نفعل كذا، أو نترك فعل كذاً، ولكن لم تنفذ عباراته فى أجسادنا لأنها لم تكن كلمات من الكلم (أى الجرح)، فهى مجرد أقوال، أو بخار ماء ضاع مع الزفير الخارج من الفم. هنا تأتى خطورة القدوة فى ترسيخ القيم والأخلاق، أو عكسهما تماماً، قد تكون تلك القدوة وسيلة لهدم القيم والأخلاق بصور متعمدة، أو غير متعمدة، وغير المتعمدة أكثر ... تعالوا ننظر فى أخطر نماذج القدوة فى مجتمعنا، وهم الدعاة والوعاظ، أو ما يمكن أن يطلق عليهم رجال الدين ونساؤه. هؤلاء الذين يتعاملون مع أخطر سلاح قادر على اختراق قلوب الناس وعقولهم، تضعف أمامه كل مقاومتهم، يستسلمون له طوعا، وبمحض إرادتهم. هل يمثل هؤلاء قدوة فى مجتمعنا؟ للأسف قليل جدا منهم يعتبر قدوة،..هم يدمرون القيم والأخلاق، وينشرون الفساد، والتعلق بالملذات من أى مصدر؛ سواء أكان من حلال أم من حرام. الجميع يعرف نمط حياتهم المترف، وتعلقهم بالشهوات والملذات من ذلك الشيخ المراهق الذى تزوج ابنة صديقه التى هى فى سن صغرى بناته أو حفيداته، ثم طلقها ففضحت تاريخه وأخرجت للناس ما كان يخفيه، وانتشر خبره من قطر الى الجزائر. مثل هؤلاء ماذا يقدمون من قدوة للشباب؟، وإذا أضفنا إليهم الإعلاميين الذين يحصلون على مداخيل بالملايين، ونشطاء الثورة الذين أصبحوا من الطبقة البرجوازية التى قامت ضدها الثورة. هؤلاء جميعا يدفعون الشباب دفعا الى الفساد، والرشوة والسرقة، والسعى للثراء السريع، وتحقيق الأحلام، وإشباع الشهوات بأى وسيلة فى أقصر زمن. لذلك كان من الطبيعى أن يغنى الشعب: آه لو لعبت يا زهر وتبدلت الأحوال.

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سيبقى الفساد ما بقى هؤلاء سيبقى الفساد ما بقى هؤلاء



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon