بقلم - نصر محمد عارف
الروبوت أو الإنسان الآلي، هو آلة مبرمجة سلفاً للقيام بإتقان بوظيفة محددة من قبل من قام بصناعة الروبوت وبرمجته، وعلى الرغم من أن باحثين من نيوزيلندا قد طوروا العام الماضى روبوتا سياسى أطلقوا عليه اسم سام يجيب عن أسئلة المواطنين السياسية عن التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، فإن العالم العربى قد سبق ذلك بنوع جديد من هذه الآلات جاء فى صورة إنسان، كائن حى من بنى البشر, تمت برمجته فى مختبرات سياسية معينة خارج العالم العربي، وتم إرسال هذه الروبوتات السياسية الى الدول العربية فى أوقات محسوبة بدقة من أجل القيام بأدوار تمت برمجتهم على تأديتها، وبعد انتهاء أدوارهم؛ أحيانا يتم سحبهم من المسرح السياسي، وأحيانا أخرى يتركون فى أماكنهم مهملين تفنيهم مفاعيل الزمن.
إذا تأملنا الأسماء اللامعة التى ارتبطت بثورات الربيع العربى المشئوم، سنجد أن كثيراً منهم كان فى موقع القيادة، وعلى رأس نشرات الأخبار ومانشيتات الصحف ثم اختفي، وكأنه لم يكن، ولم يمر بديارنا لحظة، أسماء كثيرة فى مختلف الدول العربية التى مر بها الربيع العربي، ظهرت فجأة، وتصدرت المشهد دون مقدمات، ثم خرجت من الصورة بصورة مفاجئة وبدون مقدمات أيضاً.
ومن أخطر الروبوتات السياسية التى تم إرسالها للعالم العربى شخصيات، تم تصنيعها وتصديرها وتشغيلها فى ليبيا؛ ثم تم منحها الشرعية الدولية، كل ذلك على الرغم من أنها لم تكن لها تجربة مع الحكم السابق، أو مع المعارضة، ولم تكن من المفكرين أو الشخصيات العامة الليبية..
تمحورت مهمة الروبوتات السياسية الليبية فى دور محدد هو إجهاض محاولات بناء الجيش الوطنى الليبي، وتفكيك ما تم جمعه من شتات الأقاليم والمناطق والمدن والقبائل الليبية، والعودة مرة أخرى الى مرحلة هيمنة الميليشيات الدينية والقبلية والجهوية، وظلت الروبوتات السياسية الليبية تقوم بهذه المهمة بكل إتقان، فمع كل نجاح للجيش الوطنى الليبى تتخذ من المؤامرات الخفية ما ينال من دور الجيش الوطني، ويعيد الأمور فى ليبيا الى الوراء.
تتعدد الروبوتات السياسية فى العالم العربي، ولكن تتوحد أدوارها وتتفرد بخصائص واحدة واضحة لا تخطئها عين، جميع الروبوتات السياسية فى الدول العربية شخصيات تظهر فى الميدان السياسى دون سابق إنذار، دون خبرة سابقة أو تجربة، يراها الناس مكتملة البناء، ناضجة، فى موقع القيادة مرة واحدة، ولا يتذكرون لها دورا سابقا، أو تطورا سياسيا، أو مواقع معروفة فى الحكم أو فى المعارضة؛ تماما مثل الإنسان الآلى الذى تراه لأول مرة وهو يؤدى وظائفه بكل إتقان مبهر.
الروبوتات السياسية تتميز بكونها شخصيات سمجة، بليدة المشاعر، لا تتأثر.. لا بنقد، ولا بهجوم.. ولا بأى شيء، هى تتحرك فى طريقها، وتؤدى وظائفها، وكأنها لا تسمع ولا تري، ونادراً ما تتكلم، هم منفصلون شعورياً عن الشعب، لا يكترثون بمآسيه وأوجاعه، يرددون عبارات مسجلة فى أذهانهم، هى نفس العبارات التى تخرج من المنظمات الدولية المحايدة، هم بارعون فى التواصل مع المجتمع الدولي؛ الجهة المصنعة لهم، فاشلون فى التعامل مع المجتمعات التى يعملون فيها، لأن هذه المجتمعات لم تكن جزءا من عملية تصنيعهم، ولم ترد فى البرنامج التشغيلى لهم.
الروبوتات السياسية فى العالم العربى خطيرة جداً؛ خطورتها لا تقل عن خطورة تحكم الآلات فى الإنسان فى أفلام الخيال العلمي، تلك الأفلام التى صارت واقعاً فى الكثير من الدول العربية، حيث تحكمت هذه الروبوتات فى الإنسان العربى فى أكثر من دولة.
وللحقيقة والتاريخ فإن الروبوتات السياسية لعبت أدواراً سابقة فى العالمين العربى والإسلامي، فالتاريخ القريب يذكرنا بحامد كرزاى فى أفغانستان، روبوت سياسى هبط من السماء على أفغانستان، وتحول من صاحب مطعم فى دولة أوروبية الى رئيس دولة، وبعده جاء أحمد الجلبى فى العراق الذى تحول من سارق بنوك، مطارد بالإنتربول الى زعيم سياسى يقود المعارضة التى أسقطت صدام حسين بقوة الجيش الأمريكي، وفى دولة قطر هناك العديد من الروبوتات السياسية التى تم تصنيعها بعد انقلاب 1995، رجال ونساء تم تصنيعهم وزرعهم فى جزيرة العرب، وتحولوا فجأة الى لاعبين سياسيين يقومون بأدوار فى غاية الخطورة تهدف الى إعادة تشكيل المجتمعات العربية، بعد تفكيك دولها، وتحويلها الى حالة فوضوية تسمح بإعادة رسم الخرائط جميعها، وإعادة تشكيل الدول والكيانات الاجتماعية جميعها.
العالم العربى يوشك أن يسقط ضحية للروبوتات السياسية ما لم يتحرك الإنسان، ويتخلص من هذه الآلات المتقنة فى التدمير، ويعيد الأمور الى الإنسان حتى وإن أخطأ الإنسان، لان إتقان الروبوتات سيقود العرب الى دمار كامل يخرجهم من الجغرافيا بعد أن خرجوا من التاريخ.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع