توقيت القاهرة المحلي 14:27:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

2019.. عام القضاء على الفساد

  مصر اليوم -

2019 عام القضاء على الفساد

بقلم - نصر محمد عارف

الإصلاح هو المعادل الموضوعى للفساد، هو الوجه الآخر له، هو قرينه الذى ينبغى أن يكون مكافئا له كما وكيفا وزمانا، فبقدر حجم الفساد وعمقه ينبغى أن تكون عملية الإصلاح.

مصر مشغولة الآن بكيفية الخروج من حالة الفساد الذى تعيشه منذ عقود؛ وقد يكون من المناسب أن يتم الإعلان عن أن 2019 هو عام القضاء على الفساد.

والمقصود بالفساد هنا ليس المعنى القانوني، وإنما المعنى الحضارى العام الذى هو عكس الصلاح والإصلاح، فحالات الفشل المتوالى فساد، وانعدام الكفاءة فساد، والتخلف فساد، وتدنى مستويات الحياة، وضعف الخدمات فساد..الخ.

وحالة مصر منذ ما يزيد على أربعة عقود هى تجليات متعددة للفساد بمعناه الحضاري، وإن كان الأكثر ظهورا فيها هو الفساد الإدارى والمالي، إلا أن الفساد العام هو الأصل والمنبع حتى بالنسبة للفساد القانوني، فبدون ترسخ مفاهيم الفساد فى الثقافة العامة لم يكن ممكنا أن ينتشر الفساد المالى والإداري، وبدون الفساد المالى والإدارى لم يتمدد الفساد الحضارى إلى هذا المستوي، وبهذا العمق.

الفساد فى مصر عميق ومتجذر فى النفوس بصورة يصعب معها وصفه بالفساد، تغيرت خصائصه الجينية حتى صار هو والصلاح توأمين سياميين متطابقين، الفساد فينا جميعا أصبح ثقافة، نمارسه كنوع من تحقيق الذات، من التميز، من إثبات أننا مهمون، وأننا أكثر براعة من الآخرين وأشطر منهم، وأكثر أهمية منهم، ومن طبقة أعلى منهم، الفساد فينا جميعا وبدون استثناء من التقى النقى إلى المجرم الفاسد.

تأمل سلوكياتنا جميعاة من منا لا يشعر بالنصر والفوز وتحقق الذات حينما يحصل على الخدمة متجاوزا طابور المنتظرين، أو مقتحما الطابور بحيلة من منتصفه أو آخره؟ من منا يحب ألا يكون له معرفة أو صديق أو قريب فى كل مصلحة يريد أن يتعامل معها حتى يقضى حاجته من خارج النظام، إذا كان هناك نظام؟ من منا يحب ألا يتهرب من الحق العام سواء أكان ضرائب أو جمارك أو شيئا آخر؟ من منا يحب ألا يحصل على أكثر من حقه فى أى سلعة أو خدمة مدعومة من المال العام؟ من منا لا يتمنى أن يحصل على أرض أو شقة من المال العام وبسعر رمزي؟ بهذا المعنى نحن الكثير فاسدون.

كم هو ممتع حقا أن تخالف القانون فى مصر، أن تسير فى الاتجاه المعاكس فى الطريق، أن تسلك الطريق الأقصر حتى وإن كان ممنوعا السير فيه، أن تمارس الرشوة وتسميها إكرامية، ومن علامات ترسخ قيمة الرشوة فى ثقافتنا وتحولها إلى قانون غير مكتوب أن صار الموظف الذى يرفض الرشوة مخلوقا غريبا إلى الحد أن أصبح خبرا تتسابق الصحف فى نشره.

هل صادف أحد منا يوما موظفا عاما فى دولاب الدولة لا ينتظر من المتعاملين معه أن يقدموا لعظمته كل عبارات الشكر والمديح لأنه أدى وظيفته، الوظيفة فى مصرنا ملك للموظف الذى يشغلها، وكل ما يقوم به الموظف العام هو خدمة شخصية تنازل سيادته وقدمها لذلك المواطن الذى يتسول منه هذه الخدمة؛ ليس لأنها حق له، وإنما لأنها منة وفضل من سعادة الباشا أو البيه الذى يحصل على رزقه من أداء هذه الخدمة إن لم يكن هذا فسادا فما هو الفساد؟

قد يكون من المستحيل تعداد تجليات الفساد فى ثقافتنا ورصد نماذجه وحالاته، لذلك لن نغرق فى رصده لأنه مثل النهار لا يحتاج إلى دليل، يكفى أن ينظر كل منا فى نفسه، ويراجع تاريخ تعاملاته مع المجتمع والناس.

وهذا الفساد العام العميق يستحيل القضاء عليه مرة واحدة، أو مواجهته مواجهة شاملة، وإلا كان من يريد أن يفعل ذلك مصلحا أحمق غايته صحيحة، ووسيلته خاطئة إلى الحد الذى يقضى على الغاية ذاتها.

مواجهة هذا النوع من الفساد تحتاج استراتيجيات معقدة جدا أهم معالمها:

-البدء بإصلاح أضعف مناطق الفساد، أى مواجهة الفساد الضعيف غير المتجذر الجزئي.

- البدء بالفساد البعيد عن المراكز القوية فى البيروقراطية.

-البدء بالفساد الهامشى الذى لا يمس جوهر البنية البيروقراطية الفاسدة.

-تقديم معالجات غير تقليدية لا تقوم على المواجهة المباشرة مع هياكل الفساد.

-اعتماد نماذج الإحلال والاستبدال سواء المؤسسى أو البشري، بأن يتم تأسيس مؤسسات موازية أو إحلال كوادر بشرية بديلة.

-التخلص من الثقافة الفاسدة من خلال التخلص ممن يحملها مثل تبكير سن التقاعد للبيروقراطية.

-اعتماد منهج جديد فى الخدمة المدنية يقوم على التدريب والإنجاز ويلغى فكرة الوظيفة الدائمة.

-الفصل بين ملكية المؤسسات أو تبعيتها وبين إدارتها.

-مراجعة اللوائح والقوانين المنظمة للعمل الإدارى بصورة دورية.

-تفعيل قوانين الكسب غير المشروع لمحاسبة الفساد فى نتائجه إن كان يصعب ضبطه فى منبعه.

هذه مجرد نماذج وهناك غيرها أكثر.

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

2019 عام القضاء على الفساد 2019 عام القضاء على الفساد



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon