توقيت القاهرة المحلي 05:59:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كيف نفهم ظاهرة محمد صلاح؟

  مصر اليوم -

كيف نفهم ظاهرة محمد صلاح

بقلم - نصر محمد عارف

 الحقيقة التى لا تقبل التشكيك أن البريطانيين قد فهموا من هو محمد صلاح، وأن المصريين أساءوا الفهم بصورة تكاد تكون كاملة، وهنا تثور الأسئلة: ماذا يمثل محمد صلاح؟ وهل هو ظاهرة، أم مجرد صرعة كروية تصاحب لاعبا حقق نجاحاً؟ ولماذا أصاب غيرنا فى فهمه وأخطأنا؟ وأخيرا كيف نفهم ظاهرة محمد صلاح؟ وكيف نستفيد منها؟

محمد صلاح ليس مجرد لاعب كرة حقق نجاحا أبهر الجميع، إنه قبل كل ذلك إنسان، تستطيع المجتمعات الحية المتقدمة أن تدرك جوهره، وتستفيد من دوره، وتصنع هالة حوله، تلك المجتمعات مشغولة بقضايا كبرى بنائية حقيقة، وليست مسكونة بالتفاخر، والتباهى بما لم تصنع ... البريطانيون لم يفتخروا به كلاعب لناديهم، بل نسبوا المجد الذى صنعه لهم الى وطنه وتاريخه، لذلك أطلقوا عليه الملك المصري، أو الملك توت عنخ آمون....الخ، ويظل السؤال لماذا ينبهرون به؟، وهنا نجد أنهم يرون فيه قدوةً ومثلاً أعلى يقدمونه لأولادهم، لذلك تجد العديد من الأطفال يحبونه، ويغنون له، وذلك لأنهم وآباءهم تكلموا معهم عنه.

العنصر الأهم فى ظاهرة محمد صلاح هو أخلاقه الإنسانية الراقية التى لم يتصنعها، أو يوظفها، بل هى سلوك تلقائي، يخرج منه بصورة لا إرادية رائعة، فهو متواضع، لا يغتر بإنجاز، يقف بعد كل هدف متوجها للجمهور، محتضناً له، وكأنه يقول له...هل قدمت لك شيئا؟، هل اسعدتك؟ ثم يحتضنه زملاؤه، وبعدها يسجد، كلها سلوكيات غاية فى التواضع، والبساطة التى تعشقها تلك الشعوب.

محمد صلاح فيه هدوء وسكينه، يجعل من ينظر اليه مستريحا، وكأنه ينظر الى راهب أو قديس، وهو مستقيم فى حياته، زوج صالح وأب، وهذه أيضاً قيمة يعشقها الغرب بجميع دوله، وفوق كل ذلك يستخدم ما يحصل عليه من مال فى خدمة المحتاجين فى موطنه، ولا يتفاخر بسيارات ولا طائرات، ولا يخوت مثلما يفعل النجوم أمثاله فى الرياضة أو الفن.

محمد صلاح قدوة للشباب فى كل أبعاد حياته، فهو شاب عصري، وهو نموذج اجتماعى ناجح كزوج وابن، وهو شخص هادئ الطباع مهذب، خلوق، متواضع...الخ. هو مثل أعلى يقدم للشباب لتحقيق أقصى درجات النجاح، وفى الوقت نفسه الحفاظ على أرفع القيم، وأفضل الأخلاقيات.... هذه هى ظاهرة محمد صلاح فى زمن من الصعب أن تجتمع هذه القيم فى شخص واحد ... من الصعب أن يكون الشاب نجماً عالمياً، ويكون مستقيما أخلاقيا، متواضعاً، عفيفا، فاعلا للخير، ولا يوظف نجاحه لتحقيق أمجاد اجتماعية أو سياسية، أو استثمار الشهرة لأهداف خارج مجال الشهرة؛ كما يفعل جميع النجوم الحقيقيين، أو المصطنعين الذين نعرفهم، خصوصاً فى مصر.

 

هذا ما أدركه المجتمع البريطانى لذلك أحبه، أما نحن فى مصر فقد رأيناه بعين مريضة سقيمة، عليها مياه زرقاء وصفراء وحمراء، رأيناه داعية للإسلام سوف يدخل البريطانيين فى ديننا، وهذا تفكير خطير، لأن الشعوب لا تغير دينها بضربة كرة، محمد صلاح حقق مكاسب للمسلمين فى بريطانيا، فقد صحح الصورة، وجملها وحببها للجمهور البريطاني، قد يكون ما حققه صلاح للمسلمين لم تحققه مؤسسات وجماعات ودول أنفقت المليارات، ولم تستطع أن تنجز ما وصل اليه محمد صلاح فى تقديم صورة المسلم الذى يسعد البريطانيين بهدوء وسكينة، يحقق لهم النجاح دون ادعاء أو تفاخر. لأننا مهزومون محبطون فاقدون لأى دور، فلم يبق لنا إلا دور«القرعة التى تتفاخر بشعر بنت أختها»، حولنا محمد صلاح الى مادة للفخر والتباهي، والعلو فى الأرض بغير حق مستحق، وبغير إنجاز قمنا به، تحول صلاح كما تحول غيره من المصريين الذين ساهمنا فى طردهم من مصر، وزهدنا فيهم، تحول الى مادة للفخر والتباهي، وحولناه كذلك الى مادة للصراع السياسي. لو كنا مجتمعا صحياً، يدرك قيمة ما يملك من قوة وثروة لكان قد تم تقديم محمد صلاح على أنه قدوة ومثل أعلى لجيل محبط متخبط من الشباب، ضائع بين التطرف الديني، والإدمان واليأس والإحباط، محمد صلاح نموذج وقدوة ومثل أعلى قادر على إشعال جذوة الحماس فى نفوس الملايين؛ للانطلاق لتحقيق الطموحات والأحلام دون غرور أو تجبر؛ كما فعل أسطورة تضليل الشباب وحرفهم الى طريقة الجريمة والمخدرات.

محمد صلاح قدوة ونموذج للإنسان الذى يصل الى قمة النجاح، ويحافظ على تواضعه وزهده، ورقى أخلاقه، وحرصه على إسعاد أهله، إنه قدوة لم تعرفها مصر فيمن حقق نجاحاً ونجومية بالحق أو بالباطل فى العقود الأخيرة.

كان من المتوقع أن تركز أجهزة الإعلام المصرى العام والخاص على هذه المعاني، ولكن للأسف حولته الى ظاهرة سلبية تقوم على الفخر بما لم ننجز، والتباهى بما لم نقدم، والعلو فى الأرض بما لا نستحق، حولوه الى إضافة سلبية لثقافة سلبية، والحقيقة أنه على العكس من ذلك تماما، فكان محمد صلاح فى الإعلام المصرى عكس محمد صلاح فى نادى ليفربول البريطانى.


نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف نفهم ظاهرة محمد صلاح كيف نفهم ظاهرة محمد صلاح



GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

الملكة رانيا بعباءة بستايل شرقي تراثي تناسب أجواء رمضان

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:53 2019 الجمعة ,01 آذار/ مارس

خبير مفرقعات يفجر مفاجأة حول حادث محطة مصر

GMT 19:41 2019 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

كواليس الليلة الأخيرة لـ"عروس العياط" ضحيّة برودة الطقس

GMT 10:23 2018 السبت ,29 أيلول / سبتمبر

"THAT House" بيت زجاجي معاصر بديكور داخلي مذهل

GMT 02:28 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

نشوى مصطفى تؤكّد أنها تعشق التسوق في المولات

GMT 19:53 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

تحذيرات من ثوران بركان"فوجي" في طوكيو

GMT 22:40 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

شركة " PayPal" تفعّل الدفع الإلكتروني لأجهزة سامسونج

GMT 14:22 2018 الخميس ,05 إبريل / نيسان

سموحة مهتم بالتعاقد مع بانسيه لاعب المصري

GMT 22:39 2018 الأحد ,11 شباط / فبراير

الكشف عن صورة صادمة للراقصة الروسية جوهرة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon