توقيت القاهرة المحلي 14:27:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كيف نفهم ظاهرة محمد صلاح؟

  مصر اليوم -

كيف نفهم ظاهرة محمد صلاح

بقلم - نصر محمد عارف

 الحقيقة التى لا تقبل التشكيك أن البريطانيين قد فهموا من هو محمد صلاح، وأن المصريين أساءوا الفهم بصورة تكاد تكون كاملة، وهنا تثور الأسئلة: ماذا يمثل محمد صلاح؟ وهل هو ظاهرة، أم مجرد صرعة كروية تصاحب لاعبا حقق نجاحاً؟ ولماذا أصاب غيرنا فى فهمه وأخطأنا؟ وأخيرا كيف نفهم ظاهرة محمد صلاح؟ وكيف نستفيد منها؟

محمد صلاح ليس مجرد لاعب كرة حقق نجاحا أبهر الجميع، إنه قبل كل ذلك إنسان، تستطيع المجتمعات الحية المتقدمة أن تدرك جوهره، وتستفيد من دوره، وتصنع هالة حوله، تلك المجتمعات مشغولة بقضايا كبرى بنائية حقيقة، وليست مسكونة بالتفاخر، والتباهى بما لم تصنع ... البريطانيون لم يفتخروا به كلاعب لناديهم، بل نسبوا المجد الذى صنعه لهم الى وطنه وتاريخه، لذلك أطلقوا عليه الملك المصري، أو الملك توت عنخ آمون....الخ، ويظل السؤال لماذا ينبهرون به؟، وهنا نجد أنهم يرون فيه قدوةً ومثلاً أعلى يقدمونه لأولادهم، لذلك تجد العديد من الأطفال يحبونه، ويغنون له، وذلك لأنهم وآباءهم تكلموا معهم عنه.

العنصر الأهم فى ظاهرة محمد صلاح هو أخلاقه الإنسانية الراقية التى لم يتصنعها، أو يوظفها، بل هى سلوك تلقائي، يخرج منه بصورة لا إرادية رائعة، فهو متواضع، لا يغتر بإنجاز، يقف بعد كل هدف متوجها للجمهور، محتضناً له، وكأنه يقول له...هل قدمت لك شيئا؟، هل اسعدتك؟ ثم يحتضنه زملاؤه، وبعدها يسجد، كلها سلوكيات غاية فى التواضع، والبساطة التى تعشقها تلك الشعوب.

محمد صلاح فيه هدوء وسكينه، يجعل من ينظر اليه مستريحا، وكأنه ينظر الى راهب أو قديس، وهو مستقيم فى حياته، زوج صالح وأب، وهذه أيضاً قيمة يعشقها الغرب بجميع دوله، وفوق كل ذلك يستخدم ما يحصل عليه من مال فى خدمة المحتاجين فى موطنه، ولا يتفاخر بسيارات ولا طائرات، ولا يخوت مثلما يفعل النجوم أمثاله فى الرياضة أو الفن.

محمد صلاح قدوة للشباب فى كل أبعاد حياته، فهو شاب عصري، وهو نموذج اجتماعى ناجح كزوج وابن، وهو شخص هادئ الطباع مهذب، خلوق، متواضع...الخ. هو مثل أعلى يقدم للشباب لتحقيق أقصى درجات النجاح، وفى الوقت نفسه الحفاظ على أرفع القيم، وأفضل الأخلاقيات.... هذه هى ظاهرة محمد صلاح فى زمن من الصعب أن تجتمع هذه القيم فى شخص واحد ... من الصعب أن يكون الشاب نجماً عالمياً، ويكون مستقيما أخلاقيا، متواضعاً، عفيفا، فاعلا للخير، ولا يوظف نجاحه لتحقيق أمجاد اجتماعية أو سياسية، أو استثمار الشهرة لأهداف خارج مجال الشهرة؛ كما يفعل جميع النجوم الحقيقيين، أو المصطنعين الذين نعرفهم، خصوصاً فى مصر.

 

هذا ما أدركه المجتمع البريطانى لذلك أحبه، أما نحن فى مصر فقد رأيناه بعين مريضة سقيمة، عليها مياه زرقاء وصفراء وحمراء، رأيناه داعية للإسلام سوف يدخل البريطانيين فى ديننا، وهذا تفكير خطير، لأن الشعوب لا تغير دينها بضربة كرة، محمد صلاح حقق مكاسب للمسلمين فى بريطانيا، فقد صحح الصورة، وجملها وحببها للجمهور البريطاني، قد يكون ما حققه صلاح للمسلمين لم تحققه مؤسسات وجماعات ودول أنفقت المليارات، ولم تستطع أن تنجز ما وصل اليه محمد صلاح فى تقديم صورة المسلم الذى يسعد البريطانيين بهدوء وسكينة، يحقق لهم النجاح دون ادعاء أو تفاخر. لأننا مهزومون محبطون فاقدون لأى دور، فلم يبق لنا إلا دور«القرعة التى تتفاخر بشعر بنت أختها»، حولنا محمد صلاح الى مادة للفخر والتباهي، والعلو فى الأرض بغير حق مستحق، وبغير إنجاز قمنا به، تحول صلاح كما تحول غيره من المصريين الذين ساهمنا فى طردهم من مصر، وزهدنا فيهم، تحول الى مادة للفخر والتباهي، وحولناه كذلك الى مادة للصراع السياسي. لو كنا مجتمعا صحياً، يدرك قيمة ما يملك من قوة وثروة لكان قد تم تقديم محمد صلاح على أنه قدوة ومثل أعلى لجيل محبط متخبط من الشباب، ضائع بين التطرف الديني، والإدمان واليأس والإحباط، محمد صلاح نموذج وقدوة ومثل أعلى قادر على إشعال جذوة الحماس فى نفوس الملايين؛ للانطلاق لتحقيق الطموحات والأحلام دون غرور أو تجبر؛ كما فعل أسطورة تضليل الشباب وحرفهم الى طريقة الجريمة والمخدرات.

محمد صلاح قدوة ونموذج للإنسان الذى يصل الى قمة النجاح، ويحافظ على تواضعه وزهده، ورقى أخلاقه، وحرصه على إسعاد أهله، إنه قدوة لم تعرفها مصر فيمن حقق نجاحاً ونجومية بالحق أو بالباطل فى العقود الأخيرة.

كان من المتوقع أن تركز أجهزة الإعلام المصرى العام والخاص على هذه المعاني، ولكن للأسف حولته الى ظاهرة سلبية تقوم على الفخر بما لم ننجز، والتباهى بما لم نقدم، والعلو فى الأرض بما لا نستحق، حولوه الى إضافة سلبية لثقافة سلبية، والحقيقة أنه على العكس من ذلك تماما، فكان محمد صلاح فى الإعلام المصرى عكس محمد صلاح فى نادى ليفربول البريطانى.


نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف نفهم ظاهرة محمد صلاح كيف نفهم ظاهرة محمد صلاح



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon