توقيت القاهرة المحلي 09:08:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صناعة الأمل.. أولى وظائف الدولة

  مصر اليوم -

صناعة الأمل أولى وظائف الدولة

بقلم - نصر محمد عارف

 الإنسان هو جوهر كل شيء، فالدولة فى النهاية إنسان، والحضارة إنسان، والتنمية إنسان... بالإنسان تكون البداية، وللإنسان تكون النتائج والنهاية، وبدون الإنسان لا يحدث فى الكون شيء، حتى الإنسان الآلى هو من اختراع، وصنع الإنسان، لذلك من أراد أن يحقق التنمية والنهضة والتقدم فعليه أن يبدأ بالإنسان، وأهم عنصر فى تكوين الإنسان هو الدافعية التى تولد فيه الطاقة للعمل والإنتاج، والابتكار والتطوير، ولا توجد الدافعية المحفزة على العمل والكفاح وبذل كل الجهد وغاية الطاقة إلا إذا مُلئ قلب الإنسان بالأمل.

ومن هنا فإن سر الحضارة الإنسانية هو الأمل، وصانع الحضارة الإنسانية هو الأمل، وكل الابتكارات والاختراعات التى غيرت وجه البشرية، وأحدثت فى التاريخ نقلات كبرى كان دافعها الأمل، الأمل فى غد أفضل، فى حياة أفضل، فى عمر أطول، فى صحة أكثر، فى سعادة أكبر.... الخ. الأمل هو مفتاح كل شيء، وانعدامه يغلق كل شيء.

منذ ألف سنة تقريبا كتب أحد كبار المفكرين السياسيين العرب كتابا فى السياسة اعتبر فيه صناعة الأمل من أهم أسس ووظائف الدولة ... كتب أبو الحسن الماوردى المتوفى 1058م كتاباً عنوانه لـ(تسهيل النظر وتعجيل الظفر فى أخلاق الملك وسياسة الملك)، وضع فيه للدولة مجموعة من الأسس التى تقوم عليها هي: (دين متبع، وسلطان قاهر، وعدل شامل، وأمن عام، وخصب دائم، وأمل فسيح)، والدين المتبع عنده يعنى منظومة القيم والأخلاق، والسلطان القاهر يعنى سيادة القانون على الجميع دون استثناء، أو خروج عنه، أو تسيب فى تنفيذه، والعدل الشامل يعنى كل أنواع العدالة القانونية والاقتصادية والاجتماعية، والأمن العام الذى يتمتع به جميع الشعب فى جميع نواحى الحياة، أمن على النفس والعرض والمال، والخصب الدائم يعنى استمرار معدل التنمية المرتفع وعدم حدوث انتكاسات اقتصادية، والأمل الفسيح هو البعد الجديد الذى لم يسبقه اليه أحد، وهنا ينبغى أن نتأمل فى إضافة صفة الفسيح للأمل... يعنى أملا ممتدا بلا حدود، واسعا براحا، على مدى الأفق.

الأمل الفسيح هو الذى يدفع كل إنسان أن يستيقظ صباحا مفعما بالطاقة والحيوية للعمل والجد والاجتهاد، وبدون الأمل تتثاقل خطى الإنسان نحو عمله، ولا يهتم أو يسعى اليه، لذلك نجد فى الدول التى يقل فيها معدل الأمل؛ تقل فيها إنتاجية الموظفين والعاملين حتى تصل الى دقائق معدودة فى اليوم، لانهم يذهبون الى أعمالهم وهم كارهون، لا يرون فيها أملا، ولا يتعشمون من ورائها أملا، وليس فى حياتهم ذاتها أمل... وقد وصف أحد معدومى الأمل فى بلادنا حياته بأنها...(حياة من قلة الموت).

وصناعة الأمل تتعلق بالوعى الجمعى للمجتمع، تحفزها حقائق واقعية، وتدفع لها طموحات منطقية قابلة للتحقق، وليست طموحات خيالية مستحيلة التحقق تقود للاكتئاب أو الانحراف، وأولى وسائل صناعة الأمل وجود رؤية سياسية للدولة تحشد الشعب نحو تحقيقها فيكون فيها الأمل، وتكون هى الأمل، وبعد ذلك يأتى المناخ الثقافى العام فى المجتمع؛ فهو الذى يصنع الأمل أو يصنع انعدام الأمل، فإذا كان المشهد الثقافى فى الإعلام والفنون بأنواعها يركز على قصص النجاح، وحكايات السعادة، وأغانى البهجة والبسمة الواسعة، هنا تكون صناعة حقيقية للأمل؛ وإذا كان المشهد الثقافى العام يركز على الأزمات والمشكلات، والحوادث والانحرافات، والقتل والتدمير والخراب، هنا يضيع الأمل، وتنتشر حالة اليأس والاكتئاب وفقدان الأمل وتصبح الحياة ضرورة لعدم توافر الموت.

ومن ينظر فى المشهد الثقافى والإعلامى والفنى فى بلادنا يجد أن وسائل الإعلام التى تدخل كل بيت؛ سواء من خلال الفضائيات، أو وسائل التواصل الاجتماعى تنتشر فيها أخبار الخريف العربى المشؤوم، الذى دمر دولاً كاملة، ويكفى الإنسان أن يشاهد ما يحدث فى دول الجوار ليصاب بحالة بؤس وحزن وفقدان أمل، أو يصاب بحالة بلادة وتياسة وجمود، وهنا أيضاً يفقد الأمل. ثم إذا أراد أن يتابع مسلسلاً تليفزيونياً أو فيلماً سيجد قصص الغدر والخيانة والانتقام، والجشع والطمع، وكل القيم التى تقنعه أن الحياة صارت غابة، وأنه إذا كان فيه بقية إنسان فعليه أن يعتزلها أو يتركها، وإذا أراد أن يسمع أغنية ستصم أذنيه كلمات بائسة، وموسيقى متخصصة فى حرق الأعصاب، وإصابة الإنسان بالتوتر... واقعنا يسير عكس صناعة الأمل، لذلك لابد من التحرك بقوة وسرعة وصرامة نحو خطة لصناعة الأمل.

نحتاج الى سياسة ثقافية تركز على صناعة الأمل تبدأ من تغيير خطبة الجمعة، ودروس المساجد التى تعد الإنسان للموت، وتتجاهل إعداده للحياة، تضع أمام عينيه نار جهنم أربع وعشرين ساعة فى اليوم، وتنسى أن الله غفور رحيم... هذا الخطاب الدينى البائس لابد من تغييره جذريا. كذلك يتم وضع سياسة إعلامية مختلفة، تجعل الإعلام ليس كله صفحة حوادث، تتناول الأزمات والمشكلات والجرائم والكوارث، وكل أنواع الحالات الشاذة فى المجتمع، وإنما إعلام يعرض قصص النجاح حتى ولو من الشعوب الأخرى، وبعد ذلك نحتاج أن يخرج من مصر عبد الرحمن الأبنودى آخر... يصنع البهجة بأغنية...رحم الله الأبنودى فى ذكرى وفاته.

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صناعة الأمل أولى وظائف الدولة صناعة الأمل أولى وظائف الدولة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon