توقيت القاهرة المحلي 01:32:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الصين تختار الاقتصاد على الديمقراطية

  مصر اليوم -

الصين تختار الاقتصاد على الديمقراطية

بقلم - نصر محمد عارف

 فى 25 فبراير الماضى اجتمعت اللجنة المركزية للحزب الشيوعى الصيني، وقررت السير فى إجراءات تعديل المادة 79 من الدستور التى تقضى بألا يبقى الرئيس ونائبه فى الحكم لأكثر من فترتين متتاليتين، وبذلك سيكون متاحاً للرئيس الحالى (شى جين بينغ) ونائبه اللذين ستنتهى ولايتهما فى عام 2022، البقاء فى الحكم مدى الحياة، وتأتى هذه الخطوة فى ظل بوادر حرب اقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، وفى ظل ضغوط غربية متزايدة على الصين فيما يتعلق بملفات حقوق الإنسان والديمقراطية، وحرية تدفق المعلوماتةالخ. فلماذا اختارت القيادة الصينية السير عكس التيار العالمى الذى يعلى قيمة الديمقراطية، وتحرص دول العالم غير الغربى على التمسح بالديمقراطية، ولو بصورة شكلية أو زائفة؟ هل يمثل هذا التحرك نكوصاً من جانب القيادة الصينية عن التحول من الشيوعية الى السوق الحر، والحكم الرشيد، والديمقراطية؟ أم أن هناك حسابات أخرى للصين تفوق منظومة الديمقراطية وتفوق بالتالى كل متعلقاتها؟

نشرتُ فى عام 2006 كتيبا عنوانه (الاتجاهات المعاصرة فى السياسة المقارنة: التحول من الدولة الى المجتمع، ومن الثقافة الى السوق)، كانت الفكرة المركزية فيه؛ أن من أهم نتائج العولمة، وثورة الاتصالات والمواصلات، والثورة التكنولوجية أن نظم الحكم سوف تشهد تحولاً جذرياً سيكون فيه المجتمع أهم من الدولة ومؤسساتها؛ بصور تقود الى تهميش دور الدولة وتقوية دور المجتمع ممثلا فى القطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني، والى تقليل الاعتماد على الدولة ومن ثم يكون لدينا نموذج لمجتمع قوى ودولة ضعيفة، وسيتم التحول من الاهتمام بالثقافة السياسية، واعتبار أنها المحرك الرئيسى لتوجهات الحكم والسلطة الى السوق بصفته هو مركز تحريك وتوجيه الحكم والسلطة، ومن ثم الدولة. هذا التحول الضخم فى طبيعة نظم الحكم حدث فى معظم دول العالم، إلا العالم العربى الذى أدت ثورات ربيعه الى العودة الى مركزية دور الدولة؛ بعد انهيار المجتمع أو تفككه وتشرذمه، ودخوله فى حالة احتراب داخلي، وحتى الدولة لم يعد الاهتمام منصباً على وظائفها وأدوارها؛ بل أصبح مركزا بصورة أساسية على إعادة بنائها، وترسيخ أركانها بعد أن أوشكت على السقوط. إذا نظرنا إلى الصين من هذه الزاوية سنجد أن هناك تحولا ضخما فى الداخل الصيني، حيث انطلق المجتمع الصينى بعنف نحو المشروع الخاص، وظهر جيل من الشباب الطموح الذى حقق ثروات هائلة فى عمر مبكر جدا، وأصبحت الصين تشبه انطلاقة الرأسمالية الأوروبية فى بواكيرها، أو الولايات المتحدة فى بداية نهضتهاةكنت فى زيارة للصين منذ أسبوعين، ورأيت وسمعت ما يؤكد القناعة بأن النخبة الاقتصادية الصاعدة تتوثب للانطلاق الى جميع بقاع العالم؛ سعياً وراء الثراء السريع بصورة تعتمد على معطيات الثورة التكنولوجية، أو الثورة الصناعية الرابعة، والابتكار، والتجارة واقتناص الفرص بصورة مشروعة وعادلة، وبدون نزعة استعمارية. واقع الصين الحالى يقول لنا أن المجتمع الصينى يعى بصورة جيدة أنه فى لحظة تاريخية فاصلة، لم تتكرر منذ 1421 ميلادية حين استطاع الأسطول الصينى بقيادة الأدميرال المسلم (زينج هي) الذى كان يطوف حول العالم بأسطول مكون من 300 سفينة، واكتشف أمريكا قبل كولومبوس بسبعين عاما، وهناك كتاب يؤرخ لقصته صدر بالإنجليزية عنوانه (1421 )، هذه اللحظة التاريخية الحاضرة تتأهب فيها الصين لقيادة الاقتصاد العالمي، فمن المقرر أن تتفوق الصين على الولايات المتحدة فى التجارة الدولية, وتكون هى الدولة الأولى فى العالم بحلول عام 2025، وبحلول عام 2035 ستكون الصين الدول الأولى فى العالم من حيث حجم الدخل القومى الإجمالي، وبحلول عام 2050 سيكون الدخل القومى الصينى تقريبا ضعف الدخل القومى الأمريكي، حيث سوف يبلغ إجمالى الناتج المحلى الصينى 58 تريليون دولار، يليه الهندى 44 تريليون دولار، ثم أمريكا 34 تريليون دولار، فإندونيسيا 10 تريليونات دولار، وبعد ذلك تأتى كل من البرازيل ثم روسيا 7 تريليونات دولار، ثم المكسيك واليابان والمانيا 6 تريليونات دولار، وبريطانيا 5 تريليونات دولار. فى ظل هذا التحول الكبير فى الاقتصاد الدولي، وتأهب الصين لحالة التدافع العنيف لتكون الرقم الأول عالمياً؛ من المؤكد سيكون المجتمع الصينى فى حالة استنفار اقتصادى شديد، لا مجال فيها لرفاهية الديمقراطية، وألاعيب الانتخابات التى تربك المجتمعات، وفى ظل حالة الصراع العنيف مع الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة لم تعد الصين تكترث بالتهم التى يوجهها الغرب، ولم تعد تهتم بإرضائه، او الحصول على صكوك الغفران الديمقراطى من معابده السياسية، فالصين والولايات المتحدة فى لعبة شد الحبل منذ مدة، وقد تحولت الى تكسير عظام فى الفترة الأخيرة، ففى عام 2017 يميل الميزان التجارى بين الصين والولايات المتحدة بمقدار 100 مليار دولار عجزا أمريكيا لصالح الصين، وفى نفس العام وصل الاحتياطى الصينى من الدولار فقط 3 تريليونات دولار تستطيع الصين بطرحها فى السوق أن تسقط الاقتصاد الأمريكي، لذلك لم تعد تكترث بتهم مخالفة الديمقراطية.

نقلا عن الاهرام القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصين تختار الاقتصاد على الديمقراطية الصين تختار الاقتصاد على الديمقراطية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب

GMT 11:48 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

هاشتاج أمينة خليل يشعل مواقع التواصل الاجتماعي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon