توقيت القاهرة المحلي 01:32:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تولّى ما كُفىَ … وضَيَّعَ ما توَلّى

  مصر اليوم -

تولّى ما كُفىَ … وضَيَّعَ ما توَلّى

بقلم - نصر محمد عارف

 حكمة يختصر بها العلماء توصيف أحوال البشر عندما يضلون الطريق، وتضيع من بين أيديهم الأهداف، ويفقدون البوصلة، ويسيرون في صحراء بلا معالم ولا دليل؛ هذه الحكمة تقول إن هناك نوعا من البشر يترك طوعاً واختيارا ومع سبق الاصرار مهمته، ووظيفته، ومسؤوليته، ودوره، وينشغل بما لم يطلب منه أو يُكلف به، أو يناط به، هنا يقال عن هذا الإنسان التائه الضائع الذي ترك مسؤولياته وانشغل بما يجب أن يقوم الآخرون به لمصلحته؛ تولّى ما كُفيَ، وضَيَّعَ ما تولّى.

يستخدم الأزهريون هذه الحكمة لوصف الابن الضال بينهم، ولردعه عما يقوم به، ومنعه من التمادي فيه، وتذكيره بأنه يقوم بما لم يطلب منه، بل إن هناك من سيقوم به لصالحه، وهو يعلم ذلك …وللأسف نجد في عصرنا ومصرنا أن أكثر من ينطبق عليهم هذا التوصيف هم فصيل ممن ينتسبون للأزهر، ويتولون مسؤوليات دينية، ولكنهم للأسف يصدق عليهم وصف تولّى ما كُفيَ … وضَيَّعَ ما تولّى

تعالوا ننظر لواقع المجتمع المصري، ونحاول أن نضع ميزاناً لتحديد سلم الأولويات، سنجد أن كارثة مصر الحقيقية تكمن في عجز بعض المؤسسات الدينية عن القيام بدورها الحقيقي، وفشلها الذريع في أن تقدم الخدمة المطلوبة للحفاظ على تماسك المجتمع، وتحقيق حالة صحية فيه تسمح له بالدخول الى عالم التحضر الإنساني الحقيقي، مصر للأسف تشهد مظاهر متعددة للانهيار الأخلاقي، حيث الرشوة والفساد، والتهافت على الثراء من المال الحرام، سواء من المال العام أو الخاص، على الأقل يندر أن تجد من هو حريص علي إتقان عمله لجعل رزقه حلالا، وفي الحد الأقصى هناك من يحج بيت الله الحرام ويعتمر رشوة لتسهيل فساد ينتج عنه الإضرار بالمال العام الذي يعني سرقة مائة مليون إنسان.

في مصر حالة من التحلل الأخلاقي واسعة جداً: من الخيانة الزوجية والزواج العبثي، والتفكك الأسري، والقتل والسرقة …. الخ، حالة لم يشهدها المجتمع المصري في أصعب لحظات تاريخه المعاصر بعد هزيمة 1967، ولكنها أصبحت ظاهرة مجتمعية في الفترة الأخيرة … الشارع المصري يحتاج الى إعادة تعليم وتثقيف ليكون قابلا لحياة البشر.

مصر يهددها تطرف ديني عبثي، يستحل الدماء والأموال، يقتل البشر على الهوية، يقتل المسيحي لا لذنب إلا لأنه مختلف دينيا، ويقتل العسكري لا لجريمة فعلها، وإنما لأنه يؤدي خدمة وطنية ويرتدي الزي العسكري، يفجر المساجد والكنائس، ويزرع المتفجرات في الشوارع لقتل الأبرياء … مصر تعاني من الإرهاب المبرر دينياً، الذي يمتطي النص الديني للوصول الى أغراض دنيوية سياسية. في مصر أصبح الدين لا حارس له، ولا حامي، يختطفه أنصاف جهلاء من عدماء الدين الذين باعوا ضمائرهم لمن دفع لهم أموالا وفرت لهم حياة القصور والسيارات الفارهة، فنشروا ثقافة دينية غريبة عن مصر، ثقافة تفتقد لقيم التسامح والتعايش، وتدعو للكآبة والعنف والتطرف، والفشل في الحياة.

في مصر موجات من الإلحاد وهجر الدين والتعدي على رموزه، وقوافل من دعاة الفسق والفجور والتحلل الأخلاقي، ويكفي أن نتابع عدد من يتم تحويلهم للقضاء بسبب أغنيات فاحشة، قبيحة لا يقبلها الذوق الإنساني العام… في مصر أجيال من الشباب الأمي ثقافياً الذي لا يعرف من دينه، أو ثقافته إلا القشور، فيكون مادة سهلة لكل من لديه أجندة سواء متطرفة أو عنيفة أو إرهابية من ناحية، أو لأي تيار معادٍ للدين رافضٍ له، خارجٍ عن قيمه وأخلاقياته.

كل هذه المآسي والأزمات والمشكلات هي من صميم مسؤوليات المؤسسات الدينية في مصر، ولكن للأسف ينطبق على هذه المؤسسات وصف تولّى ما كُفيَ … وضَيَّعَ ما تولّى حيث نجد انشغال المسؤولين الدينيين في مصر بكل ما ليس من صميم عملهم، أو اختصاصهم أو مسؤولياتهم، بصورة جعلت صورتهم في أعين المجتمع أقل كثيراً مما يجب أن تكون عليه, فالجيش يعالج حاليا قصور مؤسسات الخطاب الديني التي فشلت في معالجة أزمات التطرف، وتركته يتوسع في مصر وينتشر.

لقد سمعت هذه الحكمة، منذ ثلاثين سنة أو يزيد، من فضيلة المفتي السابق الشيخ الدكتور علي جمعه حفظه الله، الذي يعرف دور العالم ووظيفته، ويؤديه بإتقان، ولم يخطر ببالي أنها ستنطبق يوما على من يتولون مسئوليات دينية، وهنا يكون من اللازم أن نذكرهم ألا يكونوا ممن «تولّى ما كُفيَ … وضَيَّعَ ما تولّى».


نقلا عن الاهرام القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تولّى ما كُفىَ … وضَيَّعَ ما توَلّى تولّى ما كُفىَ … وضَيَّعَ ما توَلّى



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب

GMT 11:48 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

هاشتاج أمينة خليل يشعل مواقع التواصل الاجتماعي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon