بقلم - نصر محمد عارف
عندما وصلت الأزمة السورية إلى نقطة الانفراج، وبدأت جميع الاطراف تتحدث عن طرق الحل التى تحقق وحدة سورية الارض والشعب، وتحفظ مؤسسات الدولة وجيشها، وتفتح الأفق أمام تغيير ديموقراطى يحقق استقرار سورية، ويفتح أمام شعبها افاقاً تساعده على رحلة إعادة إعمار ما هدمته الحرب من مدن وقرى، وإعادة ترميم شبكة العلاقات الاجتماعية التى نسفتها سبع سنوات من الاقتتال بين كل مكونات الشعب، وإعادة الامل فى غد افضل لكل إنسان سورى …فقد يتحقق بالحوار والتفاهم، وبالسلام والتسامح بعدما فشلت فى تحقيقه الجماعات المسلحة الممولة والموجهة من القوى الإقليمية والدولية؛ التى لم يكن فى أبعد أهدافها مصلحة سورية، أو مستقبل الشعب السوري.
عندما وصلت سورية إلى هذه المرحلة من الهدوء والسلم ظهر أردوغان أعظم من ارتكب جرائم حرب فى سورية من خلال إدخال كل شذاذ الأفاق من جميع أنحاء العالم لممارسة القتل الممنهج فى الشعب السوري، وأعطى الذريعة لمجرمى الحرس الثورى الفارسي، وحزب الله الفارسى للانتقام، وارتكاب جرائم حرب فى الجهة المقابلة، ارتفع صوت أردوغان مهددا بإشعال حرب أخرى فى شمال سورية؛ فى عفرين ضد الأكراد، وما هى إلا أيام حتى دخلت القوات التركية ومعها الأتباع مسلوبى الإرادة من عملاء تركيا فى سورية الذين يسمونهم بالجيش الحر المستعبد من قبل تركيا.
قام أردوغان وجيشه، وعملاؤه من الجيش الحر، الذين يذكروننا بجيش أنطوان لحد الذى كان يسمى بجيش لبنان الجنوبى ذراع إسرائيل فى لبنان بعد غزو] 1982، قاموا بتدمير ما لم يتم تدميره فى الشمال السوري، وبدأت مرحلة جديدة من خلط الأوراق، وتشتيت الجهود، وإعطاء فرصة لداعش لكى تلملم صفوفها؛ بعد أن ينشغل الأكراد بجيش أردوغان، وكأن أردوغان جاء لإنقاذ داعش، وتمكينها من التقاط الأنفاس لتحقيق مزيد من الإرباك فى المشهد السوري، ولكن أردوغان كعادته فى الاندفاع والحماقة بصورة تليق بزعيم مليشيا، أو ناشط سياسي، أو ثورى يسارى من ثوار أمريكا اللاتينية فى الستينيات، اندفاع أردوغان بهجومه على عفرين وضع نهاية للمشهد السورى لصالح اللاعبين الكبار، وساعد على خروج جميع اللاعبين الصغار بما فيهم أردوغان وحكومته. وذلك على النحو الآتي:
أولا: فى عفرين تم الاتفاق على إنهاء جميع الجماعات السورية المسلحة، فقد وافقت تركيا على اطلاق يد روسيا وسورية فى إدلب لإنهاء الوجود العسكرى لكل الفصائل التى تم حشرها فى إدلب من جميع أنحاء سورية، حيث كانت إدلب هى وجهة المسلحين فى كل اتفاقية من حى الوعر فى حمص، إلى الغوطة الغربية، وبيت جن وغيرها، والآن تقوم القوات المسلحة السورية بدعم روسى بالتقدم فى إدلب للقضاء على آخر وجود للمسلحين فيها.
ثانياً: فى عفرين ينتهى الحلم الكردى بتكوين فيدرالية كردية فى شمال سورية، وتنتهى فكرة سورية الاتحادية التى تم طرحها من قبل الأكراد لتكرار النموذج العراقي، وذلك لأن تركيا لن تقبل ذلك، وروسيا والحكومة السورية يتمنون أن يخلصهم جيش أردوغان من الصداع الكردى ممثلا فى قوات سورية الديموقراطية (قسد) التى تسامحت معها كل من روسيا وسورية لاستخدامها فى التخلص من داعش فى شرق سورية، فتخلصت قسد من داعش، والآن يجهز أردوغان على قسد، وينتهى الحلم الكردى فى تكوين فيدرالية تتواصل مع كردستان العراق وتوصلها بالبحر المتوسط.
ثالثاً: فى عفرين يتم دفن آخر أحلام أردوغان، وهو حلم إعادة النظر فى اتفاقية لوزان 1923 التى وضعت حدود تركيا الحالية، ويطالب أردوغان منذ فترة بإعادة النظر فيها لضم اراضى من اليونان ومن العراق وسورية؛ أهمها محور الموصل حلب، وقبل ذلك كان يحلم بوضع نظام تابع له فى سورية من أجل الاستيلاء عليها، وضمها لحلم العثمانية الجديدة التى تبدأ فى العالم العربى فى سورية، وتنتهى عند اليمن وعلى حدود المغرب.
فى عفرين تقزمت أحلام أردوغان وأهدافه، وتراجعت من الهجوم والحلم الإمبراطوري، إلى الدفاع وتأمين الحدود الجنوبية من وجود بؤر لحزب العمال الكردستانى الذى أرهق الدولة التركية واستنزفها لعقود، هدف أردوغان الآن التخلص من الأكراد فى شمال سورية حتى لو اضطر للتعامل مع بشار الأسد فى سبيل تحقيق ذلك.
رابعاً: باشتعال عفرين ومطالبة الأتراك للقوات الأمريكية الانسحاب من منبج، سيتم تسريع عجلة الترتيبات النهائية للوضع فى سورية، وأول هذه الترتيبات خروج العصابات الطائفية القادمة مع الحرس الثورى الفارسي، ومع حزب الله الفارسي، وتقزيم دور إيران من أجل إنهائه تماماً، فلن يرضى الروس أو الأمريكان بوجود إيرانى حقيقى فى سورية بعد الحرب، ولن ترضى روسيا بالتحديد؛ التى استثمرت المليارات، والسمعة الدولية، وعلاقاتها مع الغرب من أجل الحفاظ على سورية فى يدها، لن ترضى بالعبث الفارسى المتخلف فى سورية، لن تقبل روسيا بوجود أجندة طائفية فى دولة هى فسيفساء الأديان على ظهر الأرض، ستخرج إيران من سورية فى وجود الأسد وقبل زواله، ومعها كل العصابات الطائفية؛ مثلما خرجت العصابات الطائفية الأخرى ممثلة فى داعش والنصرة وغيرهما، فكلهم طائفيون متخلفون، قادمون من مجاهل التاريخ.
خامساً: انتهى دور كل من استثمر فى جبهة النصرة أو فتح الشام أو الجيش الحر، كل العرب الذين استثمروا فى هذه الجماعات، وجدوا أهم جماعة فيهم، وهى الجيش الحر الذى تستخدمه تركيا ليلعب معها دور جيش أنطوان لحد مع إسرائيل، ومن ثم تحول الجيش الحر الى جماعة مرتزقة تقتل الأكراد لصالح تركيا.
سادساً: بقى فى سورية الأمريكان والروس، هكذا نحن منذ قرن؛ فى الثورة العربية الكبرى 1916 حاربنا الدولة لعثمانية لنقع فريسة بين فرنسا وبريطانيا، واليوم حارب العرب والعثمانيون نظام بشار الأسد لتقع سورية فى أحضان روسيا وأمريكا…. التاريخ لا يعيد نفسه…نحن بمنتهى البلاهة نعيد تمثيله.
نقلا عن الاهرام القاهريه