توقيت القاهرة المحلي 22:01:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مفكرة لشبونة: أين باع المياه؟

  مصر اليوم -

مفكرة لشبونة أين باع المياه

بقلم: سمير عطا الله

المدن دروب. ولست أدري لماذا لم تحملني الدروب إلى لشبونة قبل الآن؟ ربما بُعدُها عن قلب القارة، وشعورنا بأنها أقرب إلى المحيط. ربما انطباعنا الأول والدائم أنها شيء على أطراف الأندلس وليست في عبقه وأسحاره. أستطيع أن ألقى تبريرات كثيرة، كلها غير ضروري.
كل ما كان يشدّنا إلى البرتغال، زوجتي وأنا، صوت آماليا رودريغز. كانت مغنيتنا في الأيام الأولى للخطوبة، وظلت كلما جاءت لأحياء حفلات في بيروت في «الإيبي كلوب» نحرص على أن تكون طاولتنا إلى مقربة منها، نسلم عليها ونبلغها إعجابنا العاطفي، كما نبلغها أنها بالنسبة إلينا، مثل فيروز، ولو لم نفهم ما تقول. لكنها بالتأكيد تغنّي شيئاً من تأليف عاصي ومنصور.
مع الحرب فقدت بيروت حضور آماليا رودريغز، كما فقدت بقية نجوم العالم. غير أننا احتفظنا بأغانيها في كل مكان. لو لم يذكّرنا ابني وابنتي، بمرور 50 عاماً على زواجنا، لكانت الذكرى على بعد 50 عاماً. بيروت في الخوف، وأهلها من أمثالنا تهتز صدورهم: أهجرة أخرى في مثل هذا العمر وحقائب ومطارات؟
أصر البنون على أن يقدموا لنا هدية الخمسين، وأن تكون رحلة إلى مكان نختاره. وكانت ابنتي هي التي تذكرت محبتنا لآماليا رودريغز. وتكفل الابن البحث بـ«الباكج» بسبب خبرته. بدت لشبونة للوهلة الأولى مثل عواصم أوروبا الشرقية في الماضي، ولكن بعدد أكبر من السيارات. خضرتها كثيرة وهدوؤها مريح ومؤنس. لكنك لا تلبث أن تكتشف أنها تنتمي أكثر إلى الغرب، عالمها الأساسي وحضارتها القديمة، وجذر لغتها اللاتيني.
مثل معظم العواصم الأوروبية، لشبونة لها نهرها، «التيخو»، أو «المقتحم»، وهو ينبع في إسبانيا ويسري فيها نحو 700 كيلومتر، ولا يُبقي للبرتغال سوى 250 كيلومتراً. ومع ذلك فهو يحمل هويتها ويملأ أشعارها وموسيقاها وأغانيها، وعلى ضفافه تنتشر مقاهي الرمز البحري للبرتغال: السردين. وكان رجل أعمال عربي قد قرر في الثمانينات أن يكسر كل قواعد جده وجدته، أي أن «يبيع الميّه في حارة السقايين». فخطر له أن ينشئ شركة لصيد وتعليب سمك السردين في بلاد البرتغال. لا أذكر ماذا كانت النتيجة. لكنني لا أنسى أمثال جدي وجدتي: سمك في البحر!
مثل جميع الأنهار، يثير «التيخو» أو «التاغس» أو «التاج»، الذكريات والحنين في نفوس الشعراء. الحب والجوى. وتُكتب له الأغاني مثل «النيل» و«الفرات» و«السين» و«التيبر» في روما و«الليفي» في دبلن.
يأخذه الحزن، على ضفاف «التاج»، فرناندو بيساوا، المحاسب المساعد في شركة «فاسكيز». يتخيل الجيوش الحالمة التي أبحرت في سفن عالية الصواري، ثم عاد جنودها حفاة، أقدامهم غارقة في الطين والوحول. الأنهر للإبحار لا للتراجع الموحل ودندنة الانكسار.
لكنه سرعان ما يعثر لنفسه على تعزية، ربما وهو يتأمل وجوه العابرين أمام المقهى، فيقول إن النساء أكثر بكاءً من الرجال. يبكي الرجال قليلاً. ويحزنون قليلاً. وإذا ما بكوا وحزنوا، حوّلوا كل شيء إلى رؤية. أو قصيدة. أو متعة الغروب على نهر «التاج».
إلى اللقاء...

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفكرة لشبونة أين باع المياه مفكرة لشبونة أين باع المياه



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon