توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مفكرة لشبونة: أين باع المياه؟

  مصر اليوم -

مفكرة لشبونة أين باع المياه

بقلم: سمير عطا الله

المدن دروب. ولست أدري لماذا لم تحملني الدروب إلى لشبونة قبل الآن؟ ربما بُعدُها عن قلب القارة، وشعورنا بأنها أقرب إلى المحيط. ربما انطباعنا الأول والدائم أنها شيء على أطراف الأندلس وليست في عبقه وأسحاره. أستطيع أن ألقى تبريرات كثيرة، كلها غير ضروري.
كل ما كان يشدّنا إلى البرتغال، زوجتي وأنا، صوت آماليا رودريغز. كانت مغنيتنا في الأيام الأولى للخطوبة، وظلت كلما جاءت لأحياء حفلات في بيروت في «الإيبي كلوب» نحرص على أن تكون طاولتنا إلى مقربة منها، نسلم عليها ونبلغها إعجابنا العاطفي، كما نبلغها أنها بالنسبة إلينا، مثل فيروز، ولو لم نفهم ما تقول. لكنها بالتأكيد تغنّي شيئاً من تأليف عاصي ومنصور.
مع الحرب فقدت بيروت حضور آماليا رودريغز، كما فقدت بقية نجوم العالم. غير أننا احتفظنا بأغانيها في كل مكان. لو لم يذكّرنا ابني وابنتي، بمرور 50 عاماً على زواجنا، لكانت الذكرى على بعد 50 عاماً. بيروت في الخوف، وأهلها من أمثالنا تهتز صدورهم: أهجرة أخرى في مثل هذا العمر وحقائب ومطارات؟
أصر البنون على أن يقدموا لنا هدية الخمسين، وأن تكون رحلة إلى مكان نختاره. وكانت ابنتي هي التي تذكرت محبتنا لآماليا رودريغز. وتكفل الابن البحث بـ«الباكج» بسبب خبرته. بدت لشبونة للوهلة الأولى مثل عواصم أوروبا الشرقية في الماضي، ولكن بعدد أكبر من السيارات. خضرتها كثيرة وهدوؤها مريح ومؤنس. لكنك لا تلبث أن تكتشف أنها تنتمي أكثر إلى الغرب، عالمها الأساسي وحضارتها القديمة، وجذر لغتها اللاتيني.
مثل معظم العواصم الأوروبية، لشبونة لها نهرها، «التيخو»، أو «المقتحم»، وهو ينبع في إسبانيا ويسري فيها نحو 700 كيلومتر، ولا يُبقي للبرتغال سوى 250 كيلومتراً. ومع ذلك فهو يحمل هويتها ويملأ أشعارها وموسيقاها وأغانيها، وعلى ضفافه تنتشر مقاهي الرمز البحري للبرتغال: السردين. وكان رجل أعمال عربي قد قرر في الثمانينات أن يكسر كل قواعد جده وجدته، أي أن «يبيع الميّه في حارة السقايين». فخطر له أن ينشئ شركة لصيد وتعليب سمك السردين في بلاد البرتغال. لا أذكر ماذا كانت النتيجة. لكنني لا أنسى أمثال جدي وجدتي: سمك في البحر!
مثل جميع الأنهار، يثير «التيخو» أو «التاغس» أو «التاج»، الذكريات والحنين في نفوس الشعراء. الحب والجوى. وتُكتب له الأغاني مثل «النيل» و«الفرات» و«السين» و«التيبر» في روما و«الليفي» في دبلن.
يأخذه الحزن، على ضفاف «التاج»، فرناندو بيساوا، المحاسب المساعد في شركة «فاسكيز». يتخيل الجيوش الحالمة التي أبحرت في سفن عالية الصواري، ثم عاد جنودها حفاة، أقدامهم غارقة في الطين والوحول. الأنهر للإبحار لا للتراجع الموحل ودندنة الانكسار.
لكنه سرعان ما يعثر لنفسه على تعزية، ربما وهو يتأمل وجوه العابرين أمام المقهى، فيقول إن النساء أكثر بكاءً من الرجال. يبكي الرجال قليلاً. ويحزنون قليلاً. وإذا ما بكوا وحزنوا، حوّلوا كل شيء إلى رؤية. أو قصيدة. أو متعة الغروب على نهر «التاج».
إلى اللقاء...

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفكرة لشبونة أين باع المياه مفكرة لشبونة أين باع المياه



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon